ثمة تساؤل يقول إن كان يتعين علينا أن نتحدث عن شخصية دونالد ترامب؟ إلا أنني أؤكد على ضرورة ذلك ليس لأنه يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة فحسب، لكن إزاء سوء الفهم لما يرمي إليه من سياسة خارجية، لذلك تقدمت ببعض الآراء حول مستقبل الشرق الأوسط في الاجتماع الذي عقدته صحيفة الاندبندنت مساء يوم الثلاثاء الماضي وشارك به عدد من قرائها حيث كان من المتوقع طرح سؤال حول مدى تأثير سياسة ترامب على المنطقة.
لكن بذات الوقت تملكني شعورا بأن من يطرح مثل هذا السؤال المنطقي كان يتوقع بأنه سيقابل بإجابة ممزوجة بالإدانة والشجب لترامب، ذلك لأننا اعتدنا أن نرى أي مبادرة في السياسة الخارجية يطلقها الرئيس الأميركي تقابل من وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم بردود فعل واستنكار أيا كان موضوع الطرح سواء أكان الأمر يتعلق بكندا أو أفغانستان، حيث نشهد ردود فعل متماثلة تحمل في مضمونها الإدانة الفورية المبررة في أكثر من حالة، لكن لا ريب بأن ثمة بعض الاستثناءات، ومن هذه الاستثناءات التسليم بالامر الواقع في عدة ملفات.
على الرغم من عدم توصل الرئيس الأميركي بمحادثاته مع كيم جونغ أون إلى نتائج مرضية، لكن تلك المحادثات قد أسفرت عن إبعاد شبح الحرب عن شبه الجزيرة الكورية في الحين الذي كانت به قاب قوسين أو أدنى قبل تولي ترامب لسدة الرئاسة.
أما علاقاته مع روسيا التي اعتبرها الكثير من وسائل الإعلام بأنها تمثل خيانة للغرب فقد كانت نتيجة لواقع لم يعد خافيا على أحد بأن لدى روسيا ترسانة نووية قدرتها كبيرة بحيث تستطيع تدمير العالم برمته عدة مرات الأمر الذي استدعى من ترامب التوجه إلى إجراء محادثات مع نظيره الروسي بوتين لأنه يعلم ما يمكن أن يفعله لو ضغط على الزر النووي.
تلقى ترامب المزيد من الاستنكار والإدانة إزاء القرار الذي أصدره في شهر كانون الأول الفائت – المتضمن سحب القوات الأميركية المرابطة في سورية – سواء من الديمقراطيين الليبراليين أو الجمهوريين المتشددين الذي توحدوا في النقد متجاوزين كافة الأصول الأخلاقية. لكن ما يثير الدهشة أن أولئك المنتقدين لم يتقدموا بأية بدائل لهذا القرار حيث يرون في الوضع القائم أمرا مستحبا لهم ويعتبرون أنه من الأفضل الإبقاء عليه على الرغم من الواقع الذي يفند ذلك الاعتقاد لأنه ليس لدى الولايات المتحدة سوى عدد محدود من القوات في هذا البلد وتعتمد على المرتزقة المحليين في إلحاق الهزيمة بداعش التي استطاعت السيطرة على مواقع يشغلها أكثر من ثمانية ملايين شخص وتمتد على مساحات واسعة من العراق وسورية. أما الآن فإن سيطرتهم تقتصر على بلدة هجين الصغيرة في أعماق شرق سورية، وعلى الرغم من ذلك فإنهم لم يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء إيذانا بذلك، لكن الواقع يؤكد بأنهم على شفا الهزيمة الكاملة في القريب العاجل.
يتعذر على الولايات المتحدة أن تحقق أمورا أخرى في سورية، وبخاصة إضعاف سورية ذلك الأمر الذي تتذرع به لاستمرارها بهذه الحرب القذرة التي أتت على البشر والشجر والحجر في بعض المواقع من سورية.
ويبدو أن السعادة تكتنف مؤسسة واشنطن (التي تعتبر طفل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي) إزاء تلك الحرب وتشجب ترامب وتدينه جراء اتخاذ قرار بالانسحاب من سورية.
يتساءل البعض عما هو مطلوب من الإدارة الأميركية فيجدون الإجابة بضرورة قيام الولايات المتحدة بإلزام تركيا بعدم شن هجوم على الأكراد السوريين ذلك الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عبر اتفاق يتم التوصل إليه بين الأكراد السوريين ودمشق يجري بموجبه عودة القوات السورية لتأخذ موقعها على الحدود مع تركيا.
إن ما يقوم به ترامب يعد أكثر واقعية من أولئك الذين يتقدمون بطروحات حمقاء تشكل خطرا على العالم أجمع. وعلى الرغم مما دأب عليه ترامب من تصريحات عدائية فإنها لم تتعد كونها محض كلام فحسب حيث لم نجده يقدم على خوض أي حرب فعلية في أي مكان ويمكننا أن نعتبر ذلك أمرا لا يمكن إغفاله.
بقلم: باتريك كوكبرن- The Independent
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الاثنين 28-1-2019
الرقم: 16895