رغم تاريخها الأسود الملطخ بانتهاكات حقوق الإنسان وسجلها الاستعماري الإجرامي البغيض بحق الشعوب والأمم، لا تكف دول الغرب عن التدخل في شؤون الدول المستقلة تحت عناوين وشعارات زائفة ومضللة، محاولة فرض إملاءاتها وأجنداتها الخاصة ومصادرة حقوق الشعوب في اختيار قادتها وأسلوب الحكم ونوع السياسة التي تناسبها، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة الذي يكفل لكل شعب حق تقرير مصيره بنفسه، ويحرم على الآخرين ـ بمن فيهم الأمم المتحدة ـ التدخل في شؤون هي في صميم سلطات ومؤسسات هذا الشعب.
ففي تعدّ جديد على القانون الدولي، وجّهت عدد من الدول الأوروبية إنذاراً وقحاً لجمهورية فنزويلا، بأنها (ستعترف بشرعية خوان غوايدو الذي أعلن نفسه ـ بتوجيهات أميركية ـ رئيسا للبلاد، ما لم تتم الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة في غضون ثمانية أيام)، الأمر الذي يمهد الطريق لأزمة خطرة قد تتطور إلى صراع دموي ينسف استقرار هذا البلد الآمن، كما جرى سابقاً في عدد من دول أميركا اللاتينية نتيجة التدخلات الأميركية السافرة.
تكشف هذه المحاولة الغربية الجديدة لهزّ استقرار فنزويلا مدى امتعاض الغرب من النهج الاستقلالي المبدئي الذي تنتهجه فنزويلا تجاه قضية فلسطين والعديد من القضايا الأخرى، ورغبته في فرض نظام عميل ينفذ الأجندات الرأسمالية، ويكون خادماً مطيعاً للمصالح الأميركية في الوقت الذي يعاني فيه شعب فنزويلا حصاراً أميركياً خانقاً نتيجة رفضه لسياسات الهيمنة.
المثير للسخرية أن فرنسا وهي إحدى الدول التي وجهت الإنذار تعاني أزمة داخلية ولديها احتجاجات شعبية تطالب ماكرون بالاستقالة، وهو ما وضع مندوبي هذه الدول بمجلس الأمن في موقف مخجل حين وجه المندوب الروسي لهم سؤالاً افتراضياً..(ماذا لو طرحنا موضوع السترات الصفراء في مجلس الأمن..؟) مطالباً إياهم الاهتمام بشؤون بلدانهم، رافضاً فكرة (الدبلوماسية الوقائية) التي تشرعن لهم التدخل بشؤون فنزويلا.
من حسن حظ فنزويلا أن روسيا والصين كانتا بالمرصاد للطرح الغربي الوقح، وهو ما فوت على أعداء الشعب الفنزويلي فرصة استخدام مجلس الأمن لتمرير قرارات عدوانية تهدد الأمن والسلم الدوليين، على أمل أن يتمكن هذا الشعب الصديق من تجاوز محنته وتحصين استقلاله بمساعدة أصدقائه لا بتدخل أعدائه.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 28-1-2019
رقم العدد : 16895