فشل الحرب الأميركية بالوكالة من خلال الجماعات الإرهابية، وشعور واشنطن بعدم جدوى جمع المرتزقة من جديد وتكبدها مع حلفائها المزيد من الخسائر المالية.. كان سببا في قرار الانسحاب، لتبدأ واشنطن بخوض حرب اقتصادية على سورية وحلفائها، وقد قدم شيوخ في الكونغرس رزمة عقوبات جديدة ضد سورية للتغطية على الفشل الاميركي، وبالتالي التغطية على الهزيمة بهذا الشق، وفي شق آخر سحب ما تبقى من إرهابيي داعش في الشمال السوري، تحت بند القضاء على داعش خلال أسبوعين لتعزيز فكرة النصر الخلبي على التنظيم، بعد أن أكد مسؤولون أميركيون كثر أن داعش يحتاج إلى ثلاثين عاماً للقضاء عليه في بداية الحملة الأميركية المخادعة ضد التنظيم.
وتريد أميركا أن تدفع بميليشيا قسد للواجهة من بوابة القضاء على آخر جيوب التنظيم، وهو الأمر الذي دلت عليه تصريحات باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، ويبدو أن الاستخبارات الأميركية تريد لداعش أن «يحكم» في دولة أخرى بمعنى أنه فشل في سورية بسبب فشل داعميه، وتقلص إمكانية تجميع عناصر داعش التي خاضت الحرب بالوكالة، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي ليعلن هزيمة التنظيم، وسحب قواته، على الرغم من اعتراض عدد من المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم جيمس ماتيس وزير الدفاع الذي قدم استقالته. فرنسا شريكة الفشل تسعى لإخراج إرهابييها المحتجزين لدى ميليشيات قسد، مع الزعم بأنها تريد محاكمتهم، في حين تتم عملية نقل الإرهابيين بسرية لاخفاء وجهتهم الجديدة، وقد تزج بهم واشنطن في إدلب أو ترسلهم إلى أي دولة أخرى لاستخدامهم كمرتزقة لأن لديها مجموعة استهدافات عسكرية لدول معينة، وترغب بإسقاط عدد من الحكومات الوطنية التي تناهض سياساتها حول العالم ، لمنع إعادة التوازن للعالم، بعد أن باتت سورية على مشارف انتصارها النهائي على الإرهاب، ولذر الرمال في العيون زعم مسؤولون أميركيون إن التنظيم الإرهابي سيعود إلى استراتيجية حرب العصابات وقد تكون الولايات المتحدة هدفاً له. قرار أميركا بالخروج من سورية لا يعني نهاية الحرب، فثمة محاولات حثيثة لمنع إعادة إعمار ما دمرته التنظيمات الإرهابية عبر فرض عقوبات أحادية الجانب على سورية، ومحاولة التضييق على حلفاء سورية أو التصعيد ضدهم من خلال استراتيجيات جديدة ووضع أو صياغة مرحلة جديدة من الاستهداف.
ليس خبراً جيدا لأميركا والغرب الاستعماري توقيع سورية مع إيران 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم، في مجالات اقتصادية وثقافية وتعليمية.. في حين يسعى الغرب لقطع أي تواصل جغرافي بينهما وفرض مزيد من الحصار عليهما، وحتى الجهات العميلة لأميركا في الخارج التي تسمي نفسها معارضة تمهد في تصريحاتها للحرب الاقتصادية الغربية على سورية وإيران وتبيع كلاماً في الهواء، للتغطية على عمالتهم وخيانتهم، هم لا يريدون الاعتراف بانتصار سورية على أشرس هجمة استعمارية في العصر الحديث،وأنكروا كما أنكر أسيادهم ومشغلوهم التضحيات التي قدمها السوريون في مواجهة الإرهاب التكفيري والأطلسي، وراحوا يضربون بحجارتهم فكرة إعادة الإعمار لأن من اعتدى على سورية همه أن يستمر دمارها، بل أيضاً فرض حصاره على السوريين ومنع تعزيز صمود سورية بمواجهة الحرب الاقتصادية عليها ومنع تطوير الريفين الحلبي والإدلبي، في الوقت الذي يجب فيه تحرير إدلب من الإرهابيين بعد إخفاق اتفاق سوتشي وتهرب التركي من تنفيذ التزاماته وإعطاء الضوء الأخضر لمرتزقته للاعتداء على وحدات الجيش العربي السوري، مع تلفيق اتهامات كثيرة ضد سورية وحلفائها بخصوص إدلب بهدف تأخير تحريرها وتشويه صورة من يحاربون الإرهاب فعلياً. و في هذا الإطار جاءت محاولة الاعتداء على مطار حميميم بإشراف أميركي عبر توجيه الدرونات المنطلقة من جسر الشغور، ولان خطط حلف العدوان في التأثير على مجرى التطورات تعقدت، قد تلجأ أميركا قبل انسحابها إلى تعزيز قواتها لفترة ما بانتظار ما سوف يتمخض عن عملية إدلب الوشيكة، ، وخاصة أن ترامب قال :» لم أقل إننا سننسحب غداً»، وفعلاً ثمة قوات أميركية جديدة قدمت إلى سورية على خلفية طرح تعديل لاستبقاء قوات أميركية فيها، فقد أعلن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل عزمه استخدام مشروع قانون يتعلق بالسياسة الخارجية يناقض سياسات الرئيس الأميركي، للغوص أكثر في «الرمل والموت» في سورية، مناقضاً مقولة ترامب إن سورية «رمل وموت».
لا شك أن التعاون التركي الاميركي بخصوص سورية ما يزال مستمراً، فمستشار الأمن القومي الاميركي جون بولتون يملي على تركيا ما يجب أن تفعل إكمالاً للعدوان بأوجه جديدة، وليس سراً أن عين تركيا مفتوحة على العبث بالأراضي السورية تلبية لعرض ترامب لأردوغان: وذلك من خلال «منطقة آمنة» تجتر تركيا الكلام عنها منذ عام 2014، ما يفسر وجود مطامع إقليمية لتركيا تتلاقى في كثير منها مع الأطماع الصهيونية.
منير الموسى
التاريخ: الخميس 31-1-2019
الرقم: 16898