يبدو أن دول المنطقة ولاسيما تلك الدول المصنفة كحليفة لواشنطن مقبلة على مرحلة من المراجعة لمواقفها بخصوص مستقبل المنطقة في ضوء ثلاثة تطورات، انتصار سورية وحلفائها المدوي على الجماعات الإرهابية ودخولها مرحلة الاستقرار والتعافي من الأزمة، الطموح الأردوغاني المتورم للعب دور أكبر في المنطقة على حساب المصالح والقضايا العربية، والأزمة التي تعصف بإدارة ترامب حالياً على خلفية قرار الانسحاب من سورية وأفغانستان ومشكلات أخرى تتعلق بالإغلاق الحكومي وقضية ما يسمى التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
وفي السياق ثمة حدثان سيجريان قريباً سيكشفان جزءاً من حالة المراجعة المشار إليها، فالدول المرشحة لإقامة ما يسمى «الناتو العربي» ستجتمع اليوم في العاصمة الأردنية عمان بأجندة مختلفة نسبياً عن تلك التي وضعها أو روج لها الثنائي بومبيو وبولتون في جولتهما الأخيرة على المنطقة أي مواجهة إيران، والحدث الثاني هو اجتماع دول التحالف الأميركي المزعوم لمحاربة داعش في واشنطن لتدارس الاستراتيجية الجديدة في ضوء الانسحاب الأميركي من سورية والمعلومات المتضاربة حول الوضع الميداني لتنظيم داعش.
في الحدث أو التطور الأول الذي تستضيفه العاصمة الأردنية تقول مصادر خاصة لجريدة رأي اليوم الإلكترونية إن ما يسمى دول السداسية العربية المرشحة لإنشاء «الناتو» العربي وهي مصر والسعودية والأردن والبحرين والإمارات والكويت والتي ستجتمع اليوم في عمان في لقاء تشاوري تلقت نصيحة من «العمق الأميركي» بوجوب التريث وعدم التسرع في الاندفاع لمشاريع وخطط ترامب ـ بومبيو، لأن أمام واشنطن أسابيع حاسمة لتحديد مصير البيت الأبيض والإدارة والمفاجآت واردة بما في ذلك تنحية ترامب.
هذه النصيحة لم تمنع ممثلي الدول الست الذين التقوا في اجتماع تحضيري من تدارس كل الملفات المطروحة، وأولها حسب مصادر مطلعة الاستعداد لتنسيق الجهود في حال إصرار الإدارة الأميركية على خطوات سريعة بشأن تشكيل القوة العربية الموحدة أو ما يسمى حلف «الناتو العربي»، وكذلك الملفات التي لها علاقة بالخطوة التالية في استراتيجية التعامل مع ما يسمى النفوذ أو التدخل الإيراني في المنطقة، وأيضا تم بحث بعض القضايا المتعلقة بالدول الست وموقفها في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي من سورية .
ويبدو أن المشاورات السداسية تطرقت للطموحات التركية وأوصت بالعمل على ترسيم استراتيجية موحدة قدر الإمكان في التعاطي مع تركيا.
أما الحدث الثاني فتستضيفه العاصمة الأميركية واشنطن في السادس من شباط القادم وهو اجتماع دول التحالف الأميركي المزعوم لمحاربة تنظيم داعش، حيث أعلن في واشنطن أمس أن وزراء خارجية هذا التحالف سيبحثون في اجتماعهم المقرر تنسيق الجهود من أجل القضاء على التنظيم الإرهابي، والجدير ذكره أن التحالف الذي أنشأته واشنطن عام 2014 بزعم مكافحة داعش مكون من 79 عضوا، وتضيف مصادر أميركية أن التحالف سيجري مناقشات معمقة حول ما أسماها الهزائم التي مني بها التنظيم، حيث يستمر الزعم الأميركي بأن هذه الهزائم جاءت نتيجة جهود أربع سنوات من التعاون بين دول التحالف، والمفارقة المثيرة للانتباه هنا أن اجتماع التحالف يأتي في ضوء تحذيرات أطلقها زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل من أن تنظيمي داعش والقاعدة ما زالا يشكلان تهديدا خطيرا على الولايات المتحدة، داعيا إدارة ترامب لعدم الانسحاب المبكر من سورية وأفغانستان. كما صدر تقرير جديد للكونغرس الأميركي يتحدث عن تهديدات قوية ما يزال داعش يمتلكها سواء في الشرق الأوسط وغيره.
يقول مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية دان كوتس «لا يزال لدى داعش آلاف المقاتلين في العراق وسورية، كما أن له ثمانية فروع وأكثر من 12 شبكة وآلاف المناصرين المنتشرين حول العالم رغم خسائره الجسيمة في القيادات والأراضي». واعتبر كوتس أن التنظيم سيستغل ما سماه تقلص الضغوط ضد الإرهاب لتعزيز تواجده السري وتسريع إعادة بناء قدراته مثل الإنتاج الإعلامي والعمليات الخارجية.
وقد رجح كوتس أن يواصل داعش السعي لشن هجمات ضد أعدائه في المنطقة والغرب بمن فيهم الولايات المتحدة.
هذا التقرير تزامن مع تقرير آخر لوكالة بلومبيرغ يؤكد أن تنظيم داعش يستعد للظهور مجددا بعدما خسر الأراضي التي كان يسيطر عليها في سورية والعراق، لكن في أشكال أخرى ستحافظ على التهديد الإرهابي في جميع أنحاء العالم.
هذا التضارب في المعلومات والمعطيات حول وضع تنظيم داعش وتقييم مستوى خطورته يؤكد وجود انقسامات حادة في أميركا بين مؤيد للانسحاب من سورية ومعارض له، وأن الأمور قد تتغير إذا نجح خصوم ترامب في إزاحته من البيت الأبيض، وأن المنطقة مقبلة على اصطفافات جديدة في ضوء مرحلة ما بعد ترامب إذا تمت إزاحته، لكن أياً تكن المفاجآت المرتقبة، فليس بمقدور أحد تغيير التوازنات الجديدة التي رسمها انتصار سورية وحلفائها على الارهاب، وعلى الجميع أن يتعاطى مع هذه الحقيقة سواء بقي ترامب في البيت الأبيض أو تم استبداله بساكن آخر، إذ ليس من مصلحة أحد وخاصة مرشحي «الناتو العربي» الذهاب بعيداً في رهاناتهم على أميركا منسحبة ومأزومة.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الخميس 31-1-2019
الرقم: 16898