لم يكن اغتيال العالم خالد الأسعد واقعة عادية، وقد لخصت صراع النور مع الظلام، الذي أراد داعش نشره وتعميمه، إذ جسدت شهادته الصراع بين الجهل والعلم، بين الهمجية والسمو الذي تجلى في القيم الحضارية السورية التي حافظ عليها العالم الأسعد، قيم حضارية تعلي من شأن الثقافة والإنسان، وتؤكد صنيع الإنسان السوري العظيم على مدى تاريخه.
شارك العالم في اكتشاف أوابد تحدثت عن وطن كريم صنع حضارات ودولا وأمجاداً, شهادته تؤكد على صراع بين المدافعين عن الوطن وبين أعدائه, فيلم (عاشق زنوبيا) اعداد وإخراج غسان شميط يلخص كل ذلك، وقد انتهت عمليات تصويره مؤخرا.
حول الفيلم وأسلوبه والقضايا التي طرحها تحدث المخرج قائلا: فيلم عاشق (زنوبيا) يدور حول شهيد الحضارة، شهيد الثقافة عالم الآثار السوري خالد الأسعد، الذي أعدمه داعش بطريقة وحشية مرعبة، مخيفة في ساحة تدمر بعد صلاة الجمعة، وقد أجبروا الناس على الحضور في الساحة، واغتاله بطريقة قذرة يندى لها جبين البشرية خجلا، والتهمة التي وجهت له من قبل داعش، هي أنه مدير أصنام تدمر، ولكن السبب الرئيس في اغتياله، أنه لم يفصح عن أسرار وكنوز تلك المملكة العظيمة تدمر، التي أحبها وعشقها طيلة حياته، وكرس لها عقودا من حياته… خالد الأسعد يعتبر رائدا من رواد علم الآثار في تدمر، وقد أصبح مديرا لآثار تدمر منذ عام 1963، وقد استطاع هذا العالم الآثاري، ومنذ ذلك الزمن، وهو معروف على مستوى العالم أن يزيل الأتربة، التي تراكمت على أوابد المملكة العظيمة، مملكة تدمر عبر آلاف السنين، ويكتشف الكثير من أوابدها الأثرية الهامة، التي أصبحت معروفة لنا الآن وللعالم أجمع، فله فضل كبير في إعادة اكتشاف هذه المملكة العظيمة، التي عشقها وأحبها، وأمضى عقودا من الزمن بين آثارها, له الفضل في اكتشاف المقابر التدمرية العظيمة، وله الفضل في إعادة ترميمها، في إعادة ترميم الشارع الطويل، والمسرح التدمري المعروف، وله الفضل في اكتشاف الكثير من الأوابد الأثرية الموجودة حاليا في تدمر.
خالد الأسعد تعلم اللغة العربية القديمة، وعلمها حتى للطلاب الذين درسوا على يديه، وله العديد من المؤلفات في هذا المجال، وقد ترجمت كتبه إلى العديد من لغات العالم، ترأس العديد من البعثات الأثرية إلى العالم، للتنقيب عن الآثار واكتشاف ماهو مجهول، أمضى حياته في خدمة تدمر وزنبويبا وآثار تدمر، التي استشهد في سبيلها، الشهيد خالد الأسعد مهما تحدثنا عنه لا يمكن أن نعطيه حقه، وقد أمضى عمره في سبيل تدمر، ومات في سبيل تدمر, مات عمره 82 سنة، ورفض الخروج منها عند دخول داعش، لأنه فضل البقاء في تدمر إلى جانب هذه المملكة التي أحبها وعاش في سبيلها.
إن اختيار الشكل الوثائقي للفيلم حالة هامة، فهذا اللون الفني يمنحنا المجال للحديث عنه بشكل واسع ودقيق أكثر مما تتيحه لنا الأشكال الفنية الأخرى، أنا رأيت لخدمة هذا العالم المعروف، الذي قدم الكثير لتدمر، ضرورة استخدام الشكل الوثائقي، وقد وجدت فيه الكثير من المنطقية، كوننا نعطي لمحة, وإن كانت موجزة، ولكن بتفصيل دقيق حول ما تم انجازه في حياته، وحتى اغتياله، والمهم في المادة الوثائقية هي أسلوبية تقديم هذه المادة للمشاهد، بشكل تدخل فيه إلى وجدانه وعقله، وتصل إليه الأفكار التي تؤثر به، وتصل إليه المعلومات التي نريد طرحها..
فيلم (عاشق زنوبيا) هو وثائقي مكثف إلى درجة كبيرة، يستطيع المشاهد فيه أن يحصل خلال فترة زمنية قصيرة على كمية هائلة من المعلومات، والتي تختلف بين مادة وأخرى، ففي أحيان كثيرة تفرض المادة أسلوبها، والمادة المتوفرة التي نريد تقديمها,تتطلب طريقة مكثفة إلى درجة كبيرة.. وقد تنوعت الشهادات والمداخلات والمشاهد التسجيلية..العالم خالد الأسعد قدم الكثير لتدمر، يستحق أن يكون هناك فيلم وثائقي والكثير من الرسائل الثقافية التي تتحدث عما أنجزه في فترة حياته.
آنا عزيز الخضر
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899