الملحق الثقافي..سامر منصور:
أوجد زيوس تيتاناً عظيماً واستخلفه في الأرض، فكان التيتان(1) شكوراً ذكوراً، إلى أن نظر إلى ظله حين انحدرت الشمس عن كبد السماء، فانبهر بظله الطويل المنبسط الضخم الذي غطى البحيرة والجبل والسهل، وبات مهووساً بظله وأخذ يدور مع الأرض مطارداً الغروب حيث يكون ظله في أقصى درجات امتداده. ثم بات لا يحرك جسده إلا ليحرك ويوجه ظله. حتى ظن به زيوس الجنون ولعنه بأن سلخ ظله عنه وجعله أحفوراً أسود خالداً على أحد الجبال. وبما أن التيتان من أعظم تجليات الحياة أمام شمس الوجود فلا بد أن يكون له ظل. لا يوجد تيتانٌ بلا ظل، وهكذا لم يعد التيتان تيتاناً بل استحال إنساناً. وبشكلٍ عجيب أصبح أكثر ضخامة وتنامى جسده فبات له ملايين السواعد والأقدام العيون والألسنة. وعاش بقية حياته يحاول أن ينطق لكن دون جدوى، فحروف عباراته كانت تتبعثر على ملايين الألسن فلا يبدو المنطوق كلاماً ذا معنى. وحاول الإنسان أن يتقدم. فانطلق في كل الاتجاهات وخاصة في ذلك الاتجاه الذي يحيط بكل الاتجاهات. ذلك الاتجاه الذي يصطدم فيه مع ذاته. وهكذا كلما سار الإنسان داس بأقدامهِ أقدامهُ. وكلما حاول أن يرى حوصر بملايين المشاهد التي تراها عيونه. ولكنه ظلَّ مغروراً بحجمه الضخم وغفل عن كون ذاته لم تتسع بل تبعثرت في فضائها. وأنه سيأتي حينٌ يضيق عليها الكوكب بما رحب. وكان كلما مرَّ بالإنسان إله ٌ تعجب قائلاً ما هذا؟! ماذا أرى؟! وكان جواب الإنسان الأوحد.. إنني التيتان الجليل.. أعظم ما صنعت يدا زيوس العظيم.. وإن كنت لا تصدقني.. انظر إلى ظلي.. وأشار إلى الجبل البعيد حيث الظل العظيم مشلولٌ محفورٌ يغشاه السحاب والضباب.. لكن قليلة هي الآلهة التي فهمت ما قاله الإنسان.. وحتى من فهم كلماته.. لم يدرك كيف للإنسان أن يدعي أنه تيتان!
وأما الآلهة التي تدعي أنها الاكثر فطنة وذكاءً لما رأت وسمعت الإنسان، كفرت بزيوس العظيم وقالت ما من أثر ٍ بهذا القبح تصنعه يد الكمال.. زيوس أخطأ، زيوس ليس بإله.
(1) مخلوقٌ جبارٌ هائل. وهو أقوى ما أوجدت الآلهة، ومن أول المخلوقات التي أوجدتها وفقاً للمثيولوجيا الإغريقية.
التاريخ: الثلاثاء 5-2-2019
رقم العدد : 16902