الملحق الثقافي.. هنادة الحصري :
يقول الحكيم الصيني كونفوشيوس: «إذا كان خصمك ضعيفاً فساعده كي يصبح قوياً، لأنه عندما يقوى يتوقف عن أن يكون خصمك».
هذا ما استدعته ذاكرتي وأنا أتابع النشرة الإخبارية حيث يظهر مسلح يحاول قتل مواطن أعزل، والمواطن يرجوه بكلمات تهز نياط القلب، وتلى ذلك خبر عن مقتل خمسة عشر نيجيرياً برصاص مسلحين دخلوا كنيسة ليلة رأس السنة وأطبقوا النار وخرجوا!
لا شك وأنه منذ بزوغ فجر الخليقة الأول وحتى اليوم لم ينفك الانسان وهو يبحث في معضلة ثنائية الخير والشر والصراع بينهما، واختلفت وجهات نظر الفلاسفة حول هل الإنسان بفطرته يميل للخير ويمتثل لمنظومة أخلاقية داخله بشكل تلقائي، أم أن هناك ظروفاً تسحبه صوب بؤرة الشر، أم أن الإنسان خلق شريراً ولكن المنظومة الأخلاقية السوسيولوجية القيمية هي التي تدفعه صوب الخير؟!
ولكني أميل إلى أن الإنسان خلق خيراً بفطرته، ولكنه يتعرض أحياناً لظروف قد تضطره لولوج مدخل الشر، ولكني أجزم بأنه سيعود لفطرته لأني أرى أن فعل الشر يحمل في داخله أسباب فنائه فينتهي للتلاشي والعدم. بينما تشكل منظومة الخير رابط تواشجي بين البشر تمتن العلاقات فيما بينها لتتصدى لدوافع الشر.
على هذا فإن قيم الخير والشر هي نتاج للقيم الاجتماعية الدينية السائدة في المجتمع.
إن الافتراض بوجود عالمين للخير والشر باعتبارهما ثنائية التناقض أو التقابل في الكثير من الأشياء، تجعل هناك حتمية لوجود امتداد لهما في داخل الكائن وذاته المنقسمة إلى عوالم متعددة في الباطن الكامن بمثابة صور شتى من الوعي واللاوعي، والروح والجسد، حيث يتم التعامل مع المحيط الخارجي بها فتخضع بها أحكامنا لقيم وأعراف. ولكن المؤسف أن الذي يحدث الاّن وبرغم أن هناك أفراداً يؤمنون بالخير كفضيلة إلا أنهم يقتحمون عالم الشر لتمرير مصالحهم في المجتمع، وهذا التأرجح في الذات بين عالمين متناقضين هو الذي يشكل خطراً على الذات البشرية فتداخلت العوالم واختلطت وأصبح الكائن يشعر بتخبط وضياع وإحباط ينتهي بمجاراته للاّخر خوفاً أن يسحق وينتصر عليه الاّخر. تقول «جوزايا رويس»: «إن عالم الخير ليس عالم البراءة الكاملة ولا هو تجاهل للشر وإنما احتواؤه والتغلب عليه».
فما هذا الذي يحصل على أرض الواقع وكل هذا الدم يراق تحت مسميات مهما كانت لا تبيح قتل الإنسان أخيه الانسان. يقول جبران: «أيها المراؤون توقفوا عن قتل الإنسان بحجة الدفاع عن الله، ودافعوا عن الإنسان كي يستطيع التعرف على الله».
صحيح أن تأثير الملوث على النقي أعظم من تأثير النقي على الملوث، فنسبة الشر الضئيلة في عالم الخير قادرة على إفساده لكن نسبة الخير الكبيرة لا يمكنها تعطيل الشر!!
يقال إن هذه الكائنات القادمة إلينا تختلف بمستويات الإدراك لماهية الخير والشر ومن ثم بمفهوم الفضيلة والرذيلة، فلحجم الرواسب الشريرة الكامنة في الذات تأثير كبير على السلوك اليومي سلوكاً مؤذياً للمجتمع من دون أن تدركه الذات على نحو حقيقي ولا تعده من الرذائل، لكن الذوات السوية في المجتمع تعده سلوكاً منافياً لقيم الخير.
تقول راؤول ولينبرغ: «كي تصنع الخير، عليك في بعض الحالات أن تتعامل مع الشيطان».
التاريخ: الثلاثاء 5-2-2019
رقم العدد : 16902