ما بعد سورية.. حسابات طائشة

منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية أواخر سبعينيات القرن الماضي، وحتى إبرام الاتفاق الدولي بين ايران والـ (5+1) وعلى رأسهم الولايات المتحدة شهدنا عقوداً من الحروب، والصراعات، والحصار، ومحاولات لكسر الإرادة، وتطويع ايران وسورية والمقاومة.
لم يتوقف الأميركي عن شيطنة إيران طوال هذه الفترة، ومحاولة استهدافها بكل السبل والوسائل، وكان مشايخ النفط والغاز أدواته في ذلك، إذ اعتبرت إيران عدواً، وبدأ الخليج، وخصوصاً آل سعود بنسج سياسة قائمة على العداء مع ايران، وإقامة التحالفات على هذا الأساس، أي على أساس أنه ما دام الأميركي يحارب الإيراني -فيجب أن نحاربه أيضاً.
استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه ايران، لا تمثل في خطوطها العريضة تناقضاً مع سياسات واشنطن المتبعة حيال المنطقة والعالم، ولكن اللافت في هذه الاستراتيجية أنها وضعت جملة من الأهداف العميقة، السعي إلى تحقيقها ,يضع المنطقة والعالم على مفترق طرق خطير، ويشكل تهديداً للأمن والسلم العالميين.
صحيح أن استراتيجية ترامب تستهدف ايران وتضعها في (فوهة المدفع) الأميركي في محاولة لمنعها من امتلاك القدرات وعناصر القوة، لكنها في الوقت عينه تستهدف فرض الهيمنة على عموم المنطقة، وهي محاولة لتطويع الساحة الدولية، على غرار ما كانت عليه، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد عكست ردود الفعل الدولية على استراتيجية ترامب، تحذيراً من مغبة الدخول في مواجهات غير محسوبة النتائج، وإذا كانت المواجهة المباشرة مستبعدة راهناً بين أميركا وقوى دولية أساسية، فإنها إن حصلت مع ايران، فإنها لن تكون نزهة على الإطلاق، لأن لدى ايران استراتيجية للمواجهة، وضعت قيد الاختبار ونجحت في أكثر من محطة، بينما استراتيجية ترامب تتبنى الموقف (الإسرائيلي) الذي يدعو إلى مواجهة ايران، ولا تأخذ بعين الاعتبار الهزيمة التي لحقت بـ (إسرائيل) في لبنان، على يد المقاومة التي تدعمها سورية وايران .
تركيز الاستراتيجية على ما أسمته (تقييد عدوانية ايران) بواسطة العقوبات والحصار والحملات، قد يكون أخف وطأة على ايران وحلفائها، من الدعوة الأميركية الصريحة إلى (تنشيط التحالفات الإقليمية)، في إشارة واضحة لتبني مقررات قمة الرياض الإسلامية الأميركية التي عقدت في أيار عام 2017 برعاية ترامب في مواجهة ايران، وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً، وأشد خطراً .
لقد أطلق ترامب عاصفته المجنونة ضد ايران، لأن ايران، في رأيه، خصماً مؤذياً، ليس لأنها قوة نووية، بل لأنها ذات قدرات متنوعة ومتعاظمة وأنها مقتدرة وقادرة على تحجيم نفوذ أميركا وإجلائه عن البرزخ الممتد من البحر المتوسط إلى ضفاف الخليج .
الاتفاق النووي ليس سبباً للعداوة، بل ذريعة لتعظيمها، وثمة تحريض (إسرائيلي) متوقد، وكذلك خليجي،لكنهما ليسا الدافع الأول .الدافع الأول اقتناع ترامب والمنظومة العسكرية والسياسية الحاكمة بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ جورج بوش الأب إلى باراك أوباما، أخفقت في حربها الناعمة على ايران والمقاومة المتحالفة معها، ولعل المظهر الأخير للإخفاق اندحار الإرهاب المتمثل بـ (الدولة الإسلامية في العراق والشام-داعش). وبالتالي، فإن انهزام الإرهاب ومن هم وراءه هو الدافع الرئيس للولايات المتحدة، في ظل ترامب، إلى تأكيد وتعزيز وتظهير قرار مواجهة ايران وقوى المقاومة المتحالفة معها.
ما هو أعمق من ذلك، أن القضية تبدو تداخلاً سياسياً واقتصادياً، هو ما دفع ترامب نحو حافة الجنون، ففي الشق السياسي ظن الأميركيون أنفسهم وقد سلفوا الإيرانيين خطوة نحو للأمام نحو التطبيع الشامل الذي سيخلق اتفاقيات في مجالات كثيرة أهمها الشق الاقتصادي، لكن هذا لم يحدث إذ بقيت الولايات المتحدة بالنسبة للإيرانيين (الشيطان الأكبر) وهذا الأمر قد لا ينفع معه مفاوضات ولا معاهدات لأنه أمر (عقائدي) قد يصل لمرحلة ربما لا يميز فيها التوجه الإيراني بين الشعب الأميركي والإدارة الأميركية، بل يتعامل معها كسلة واحدة. لكن بالمطلق إن اختلفنا أو اتفقنا مع هذه النظرة لكل ما هو أميركي، فإن الأميركيين استيقظوا ليجدوا أنفسهم اقتصادياً أكبر الخاسرين، بينما باقي حلفائهم أكبر الرابحين، تحديداً أن ايران حوصرت لعقود فهي بحاجة لكثير من الاستثمارات .
باختصار، ممنوع على ايران الوصول إلى البحر المتوسط أو أن تكون لها مرتكزات وقواعد في سورية ولبنان، وهذا الأمر هو مطمع ومطلب أميركي و(إسرائيلي)، من هنا يمكن تفسير تبرم ترامب و(نتنياهو) من الاتفاق النووي، ذلك أن إقراره في مجلس الأمن أعطاه بعداً دولياً وأدى إلى رفع العقوبات عن ايران ومكنها من توظيف المزيد من الموارد والطاقات في صناعتها الصاروخية، وبالتالي في إنتاج صواريخ متقدمة يتجاوز مداها (إسرائيل) ويطاول جميع القواعد الأميركية في منطقة غرب آسيا.
أميركا، كما (إسرائيل) تعرفان أن ليس لدى ايران قنابل ذرية وأنها ليست جادة في امتلاكها، وأن لا سبيل أصلاً إلى استعمال السلاح النووي نظراً لخطره المدمر على الأطراف التي تستعمله برغم التفاوت الكمي لصالح بعضها في هذا المجال، لكن أميركا و(إسرائيل) تعرفان أيضاً أن ايران قادرة على تعويض نقصها في الأسلحة النووية بكمية الصواريخ الضخمة التي تمتلكها للمدى المتوسط والبعيد، وبالقوة النارية الهائلة التي يمكن أن تتولد عن استعمالها. هكذا تتضح أسباب نزوع ترامب والمنظومة السياسية والعسكرية الأميركية إلى وضع ايران وقوى المقاومة في مرتبة العدو الأول والأخطر على أميركا و(إسرائيل) .

 

حسن حسن
التاريخ: الجمعة 8-2-2019
الرقم: 16905

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
الأمن السوري يلقي القبض على طيار متهم بجرائم حرب الوزير أبو قصرة يستقبل وفداً عسكرياً روسياً في إطار تنسيق دفاعي مشترك العراق يعلن تعزيز الحدود مع سوريا وإقامة "جدار كونكريتي" أستراليا تبدأ أولى خطواتها في "تعليق" العقوبات على سوريا بين إدارة الموارد المائية والري "الذكي".. ماذا عن "حصاد المياه" وتغيير المحاصيل؟ شراكة صناعية - نرويجية لتأهيل الشباب ودعم فرص العمل تطوير المناهج التربوية ضرورة نحو مستقبل تعليميٍّ مستدام لجنة التحقيق في أحداث الساحل تباشر عملها بمحاكمات علنية أمام الجمهور ٥٠ منشأة صناعية جديدة ستدخل طور الإنتاج قريباً في حمص الإعلام على رأس أولويات لقاء الوزير مصطفى والسفير القضاة وزير الإدارة المحلية والبيئة يوجه بإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي سجن سري في حمص يعكس حجم الإجرام في عهد الأسد المخلوع ميشيل أوباما: الأميركيون ليسوا مستعدين لأن تحكمهم امرأة لجنة السويداء تكسر الصمت: التحقيقات كانت حيادية دون ضغوط الضرب بيد من حديد.. "داعش" القوى المزعزعة للاستقرار السوري من الفيتو إلى الإعمار.. كيف تغيّرت مقاربة الصين تجاه دمشق؟ انفتاح على الشرق.. ماذا تعني أول زيارة رس... تفعيل المخابر والمكتبات المدرسية.. ركيزة لتعليم عصري 2.5 مليار يورو لدعم سوريا.. أوروبا تتحرك في أول مؤتمر داخل دمشق مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟