الملحق الثقافي_ عقبة زيدان:
يبدو أن الإمبراطوريات لا تحب أن يذكرها أحد بصراخ المعذبين وأصوات احتضارات العبيد. وهي أيضاً غير قادرة على أن تكون نبيلة، رغم ما تدعيه من نبالة. إنها آلة قتل فتاكة، ولكنها تلمع نفسها بشعارات الحرية وحقوق الإنسان.
في رواية «قلب الظلام» لجوزيف كونراد، يحتضر المبعوث الإمبريالي أو الوكيل الإمبراطوري، مردداً كلمة أخيرة أثناء احتضاره «الرعب الرعب»، وهي كلمة لم يكن يفهمها وهو حي يسلخ جلود الأفارقة ويعذبهم بنشوة كبيرة. والآن، في لحظة الموت، يدرك كورتز – الجزار البريطاني – أن العنف الإمبريالي قد أتخمه الرعب. وقد خرجت هذه الكلمة من فمه وهو في قلب الغابة الأفريقية بصوت خافت يكاد لا يُسمع، ولكنها هزت القارة الأوروبية حين سجلها كونراد في روايته «قلب الظلام».
كورتز هو وكيل شركة بريطانية عابرة للقارات، يأتي إلى أفريقيا ليرسل العاج إلى بلده، وفي مقابل كل ناب فيل، كانت تزهق أرواح؛ ورغم هذا فقد كانت الحرية والتقدم هما ذريعتان لسحق هذه القارة وسرقتها واستعبادها.
يتساءل كونراد: من الذي منح بريطانيا الحق في تعميم تقدمها؟ وطبعاً، لم يكن بطل روايته يسأل نفسه هذا السؤال، بل وجد أن عليه أن يقهر هه الكائنات المسالمة صاحبة الأرض، ويحولها إلى بقايا بشر، ذي أجساد ناحلة، لكي يتخم نفسه ويتورم بخير الآخرين.
إن «قلب الظلام» هي أول رواية تؤرخ للعنف الإمبريالي، وترفع الصوت عالياً في وجه الكولونيالية الجشعة. ومن ثم تتالت الأعمال، بعضها من قلب المركز الغربي، والبعض الآخر من مناطق شتى من العالم. ولكنها في النهاية، تجمع على أن الميتروبول الغربي، لا يأبه للبشر الآخرين، وهو ينتشي عند سماعه حشرجات موتهم.
التاريخ: الاثنين12-2-2019
رقم العدد : 16907