كان من يمكن أن تدرك وحدك بأني أحبك أو مشغولة بك .
فالأمر لا يحتاج إلى كثير عناء، لأن بعض التلميحات أهم بكثير من التصريح، والإشارات تكفي لأن تقرأ الرسالة و يصلك المضمون بلا جهود مضنية .
وكان يمكن أن تلاحظ ارتباكي كلما التقينا، وأن تنتبه إلى تلعثم صوتي وأنا أرد عليك التحية ونظري يتجه إلى الأرض، إذ لا أقدر أن أواجه عينيك وهما تفتشان عن وجهي ..ولا أقدر أن أثبت يدي وهي ترتعش بين يديك مثل عصفور مبلل بالثلج، بينما أتعثر في خطواتي عندما أبتعد عنك ..وبعد أن أتأكد أنك مضيت، أقف وألتفت إليك وأنت تمضي وتغيب فاشعر أن العالم كله يبتعد عني وقد خلا المكان من العابرين ولم يبق سوى الفراغ القاحل و أنا ..فينتابني شعور بالغربة والوحدة ويخطر ببالي أن أبكي .كأنما البكاء سيعيدك لي ؟ أو هو تعويض عن احتراق الروح التي تتوق للقائك من جديد .
معقول ؟ ألم تلاحظ اهتمامي بلباسي ؟ بالعطر الذي أضعه خصيصاً لأجلك ؟ لقد سألتك مرة عن عطرك المفضل وعن ألوانك التي تحب .ومنذ ذلك الوقت وأنا أختار العطر الذي تحبه وارتدي الألوان التي تفضلها ..حتى أني صرت أشرب القهوة كما تشربها ( دون هيل ..ودون منكّهات خاصة ) يومها قلت: أنا أريد أن أشعر بطعم القهوة وليس بطعم الهيل .
ويومها .. أنا بدلت أسلوبي وتفاصيل أيامي، وصرت أبحث عنك حتى في فنجان القهوة وفي الألوان والأمكنة ورحت أمشي في الحارات التي أتوقع أنك تزورها ..وعندما صادفتني مرة في طريقك ..ابتسمت وسألتني ما الذي أتي بك إلى هذا المكان ؟ أتذكر أني قلت: كنت أزور صديقة لي وارتبكت .. لأني كذبت عليك، فانا كنت أزور الأماكن التي تمشي فيها والشوارع التي تراك وتترك خطواتك على رصيفها ..أريد أن أرى ما تراه من أحجار وأشجار ونوافذ وأبواب ..وحلمت أن تدعوني إلى فنجان قهوة لأعرف كيف تتصرف في الأماكن العامة التي تفضلها ..ومن هم الأصدقاء الذين تجلس معهم وما هي الأحاديث التي تحكيها بوجودهم ..هل تتحدث عن النساء الجميلات ؟ أم عن عملك واهتماماتك الخاصة، أم أن كل ذلك لا يعنيك ..؟
ألم تلاحظ بأني أختلق الحجج والمبررات لأسألك عن شيء هو بالأساس لا يعنيني سوى أن اسمع صوتك الذي يربكني ويقلقني فيضيع مني السؤال والجواب ..وتضطر أحياناً لأن تضحك وتسألني ( ما بك ) ؟
كم تمنيت أن أخبرك عن الذي بي ..وعن الشخص الذي لا يترك لي وقتا لأفكر بي، لأنه يحتل كل بقعة حولي ..ويسيطر على تعرجات دماغي ..ويحتل وجهه وجهي .تمنيت أن أغمض عيني على غير ملامحه وأن أسمع صوتاً غير صوته .أتعرف .. لحب استعمار حقيقي، امتلاك وقهر جميل، ولكن دون جدوى نصرف أعمارنا أحياناً.. وهذا ما أحسه وما أعيشه، لهذا فكرت أن اخرج منك إلى غيرك ..حاولت تبديل عطري وألواني وتسريحة شعري ..وبكيت وأنا أشرب قهوة مع غيرك ..لقد طلبت قهوة بالهيل في مكان لا أحبه حتى أنتزعك من كل تفاصيلي وجهاتي، وحاولت التحدث بمرح وسعادة ..لكن سعادتي المزيفة لم تصل إلى الطرف الآخر ..كنت أتحدث ..وكان هو ينصت لي ..وعندما ودعني قال لي وبكل وضوح ( أنت لست معي )
عند ذلك ادعيت بأنه لم يفهمني، فابتسم ومضى ..لقد كان صادقاً وأنا كنت أكذب عليه، بل ربما هذا هو الصدق بعينه، إذ لم أستطع الخروج من وجهك وصوتك، رحت أبكي معترفة بهزيمتي أمام نفسي ..عدت إلى وجعي الأول ..صرت أرمي بشارات ولهي أمامك ولكنك لم تلتقطها، أو أنك لم ترغب بذلك، ربما أنت ترمي بإشارات لامرأة أخرى، مع أني لم أجد في عينيك أي امرأة، أو هذا ما تمنيته و أردته .. وعندما لم ينفع التلميح، انكفأت على نفسي وعشت في خيبتي، فالعاشق يلتقط الإشارات، وبما أنك لم تلتقطها فلا داعي للمصارحة والجهر والتوضيح لأن ذلك يشعرني بالضعف وقلة احترامي لنفسي، لذلك قررت إغلاق قلبي والاحتفاظ بكبريائي، فالحب بلا كبرياء يفقد ألقه واستمراريته ..لكن ليس معنى ذلك أني لا أحبك ..فانا أحبك وسأظل ..ولكن على طريقتي .
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 13-2-2019
الرقم: 16908