في زمن الحرب.. يقولون إن ورود الحب لم تعد تكفي.. ولم تعد تحمل معناها كما كانت.. ولعل الباقات التي تجمعها ما عادت هي الأخرى لها تأثيرها ذاته واليد تقدمها ليد تستقبلها.. والهدايا الملتمعة ببريق ألوانها قد خسرت من بهجتها رغم أنها ظلت تحمل رمزها في يوم عيد الحب.
ورود حمراء تنبض باللهفة ليوم هو للحب يهديها المحب لمن يحب.. لكن الأحمر بات يذكر بلون الدم.. بعد غدر الأخ بأخيه، والصديق بصديقه، والحبيب بحبيبه.. فأي ورود يمكن أن تشفي أوراقها من قطرات الدم الحمراء.. ومن جرح الذكريات التي امتزج فيها الحب بالألم، والشقاء؟.. وأي ورود ولو كانت حمراء ستكسو الأكتاف التي أصبحت عارية، وهي ترتجف للمسة حنان تجلب لها الدفء، والأمان؟ أي ورود ستمسح دموع الحزن التي حفرت آثارها على وجه مَنْ يذرفها.. وستطفئ لهيب الشوق لحبيب غاب، ولم يعد؟
فهل أصبحنا بحاجة لنهر من الحب يتدفق بيننا ليغسل كل آثار الغدر، والخيانة، والكراهية التي نبتت فجأة دون سابق إنذار كما نبات فطر سام أمات كل من امتدت إليه يده ليقطفه وليأكل منه؟.. وهل أصبحنا بحاجة إلى جرعات كبيرة، ومكثفة من دواء الحب حتى تشفى نبضات القلوب من اعتلالها.. وحتى تعود النفوس إلى صفائها.. والعلاقات بين الناس إلى سابق عهدها؟
لكن نبضة واحدة من حب صافٍ، نقي، لا يشوبه كدر تحملها كلمة، أو لمسة ستغدو أجمل من وردة حمراء كنا نتبادلها أيام الرخاء، والرفاه، ويوم كنا نعرف، وندرك جيداً قيمة الحب الذي كان يجمعنا كأفراد، وكجماعات، ومجتمعات، وأبناء أرض واحدة نتشارك فيها، وتظللنا سماء واحدة صافية لا دكناء، ولا تعكرها غيوم سوداء، ولا تهطل سحاباتها إلا خيراً، ونماء.
ترى ما الذي أصابنا حتى بات الحبيب غادراً، والصديق خائناً، وأبناء الحي الواحد أعداء بعد أن كانوا أشقاء؟.. أي لعنة حلت بنا.. وأي طائر أسود فرد جناحيه القاتمين فوق مساحات شعورنا حتى غدت العداوة أقرب إلينا من الألفة، والمودة، والقيم التي نشأنا في ظلالها؟.. كيف تبعثرت منا الأحلام في كل أرجاء الكرة الأرضية.. وكيف باعدت بيننا المسافات حتى غابت معها الأصوات.. وتمزقت معها العواطف، والمشاعر فما عاد أحد يسمع صوت الآخر، أو يشعر بشعوره؟.. وقد استولت علينا شهوة الدم وهو أحمر أيضاً، قانٍ كلون تلك الزهور والورود التي كنا نتبادلها في يوم هو ما كان إلا للحب.. وهو ليس فقط للعشاق بل لكل من يعرف نبض تلك المشاعر الى قلبه سبيلاً.
لتذبل إذن الورود الحمراء في باقاتها فما عدنا بحاجة اليها.. ولتنتعش ورود الكلمات المحملة بطاقة الحب لتوقظ من جديد ما أصبح غافياً من ألفة كانت تؤلف بيننا.. ومن لمسة حنان كنا نتدفئ بوهج حرارتها، لعلها تشفي أجسادنا التي مزقتها الجراح، وأرواحنا التي تاقت لأن تخرج من بئر الظلام، وصندوق الشرور الذي انفتح أمامنا.
ولكن.. الأمل باقٍ.. وحتى في زمن الحرب تظل هناك فسحة للحب.. وفي صحراء الجفاف رغم الجفاف تمتد حقول من ورود حمراء، ومساكب من شقائق النعمان هي ليست سراباً وإنما هي أمل دفاق يملأ سهول حياتنا القادمة، وينتظر أن يشع في أيامٍ تغدو كلها للحب.
إضاءات
لينـا كيــلاني
التاريخ: الجمعة 15-2-2019
رقم العدد : 16910
السابق
التالي