في مؤتمر وارسو انبرى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لتوجيه الملامة والتوبيخ إلى الحلفاء الغربيين لأنهم لم يحذو حذو الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية العمل الشاملة المشتركة وطالبهم بالخروج منها.
ففي كلمته التي ألقاها يوم الخميس الفائت خلال الاجتماع، انتقد بنس كلاً من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا إزاء التوصل إلى خطة مالية يتاح بموجبها للشركات الأوروبية الاستمرار بالتجارة مع إيران متجاوزين في ذلك العقوبات الأميركية المتجددة على الجمهورية الإسلامية.
وقال بنس في معرض حديثه: (لقد أطلقوا على الخطة الذي جرى اعدادها اسم (ألية الأغراض الخاصة))، ومن ثم استطرد بقوله: (إننا نرى في الجهود التي تبذلها تلك الدول محاولة لإفشال العقوبات الأميركية على النظام الثوري الإيراني).
لقد بدا واضحاً أن بنس قد فشل في تفهم دوافع رفض الدول الأوروبية لشرعية هذه العقوبات، فضلاً عن ذلك، فإن قيام واشنطن بإعادة فرض تلك العقوبات، وانتهاك اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة والقرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، وإطلاق التهديد بتطبيقها على الشركات الأوروبية يعتبر تطاولاً وانتهاكاً لسيادة حلفاء أميركا، كما أن واقع لجوء الدول الأوروبية إلى إيجاد آلية عمل بديلة يجب أن يعطي مؤشراً لترامب حول مدى الجدية في الالتزام بالاتفاق النووي، وأن الحلفاء الغربيين يرفضون الخضوع للإملاءات الأميركية المتعلقة بكيفية ممارسة الأعمال التجارية والجهات المسموح لهم بالتعاطي معها، لذلك عمدوا إلى إيجاد سبيل للالتفاف حول تلك العقوبات، ولولا قرار ترامب غير العقلاني بالخروج من الاتفاق النووي واتخاذه قراراً عقابياً بإعادة فرض العقوبات، لما كان هناك شرخ بين الولايات المتحدة والغرب، لكن نتيجة لعبارات نائب الرئيس في تعنيف تلك الدول، فإنه من المؤكد أن الهوة بين الطرفين ستزداد اتساعاً.
إن المسؤولين الأميركيين عاجزون عن القول أو الادعاء بأن الخطة المعدة من قبل الغرب والمسماة بـ (آلية الأغراض الخاصة)عديمة الجدوى أو الأهمية أو أنها تمثل خطراً على المستقبل، لكن الأميركيين مع ذلك ينزعون إلى رفضها جملة وتفصيلاً على الرغم من أنهم يعلنون عن قلة تأثير تلك الخطة أو عدم وجود تأثير لها أصلاً، لكن ما عبر عنه بنس أعطى مؤشراً بإمكانية نجاح تلك الخطة في تسهيل التجارة المشروعة بين أوروبا وإيران. وفي الوقت الراهن، فإنه من المفترض أن يتم الاعتماد على الآلية الأوروبية لدعم التبادلات التجارية لأنها ستسهل التجارة في مجال السلع الإنسانية، ويبدو أن الإدارة الأميركية ترغب في التظاهر أن عقوباتهم لا تشمل تلك الأنواع من التجارة، لكن من الناحية العملية فإن القيود المفروضة على المؤسسات المالية تجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة للإيرانيين دفع ثمن تلك البضائع، ولا ريب أن (ألية الأغراض الخاصة) تعد اسلوب التفاف على تلك العقبة. وقد أوضح بنس في كلمته التي ألقاها معارضة البيت الأبيض بشدة لأي تعاط أو تعامل يفضي من حيث النتيجة إلى حصول الشعب الإيراني على المواد الغذائية أو الطبية التي يحتاجها.
لكن ما جعل بنس يبدو أكثر سخفاً قد ظهر بشكل جلي في طلبه من الحلفاء الغربيين النكول عما التزموا به في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة عندما توجه إليهم بالقول: (حان الوقت لشركائنا الأوروبيين بإعلان الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني والانضمام إلينا في ممارسة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية اللازمة بهدف منح الشعب الإيراني والمنطقة والعالم السلام والأمن والحرية التي يستحقونها!).
لن تنضم الدول الغربية إلى السياسة التي تنهجها الإدارة الأميركية من حيث فرض العقوبات الجماعية على الشعب الإيراني. ذلك لأن الاتفاق النووي يعمل على النحو المنشود، وليس ثمة سبب يدفع بحلفاء أميركا للتخلي عنه طالما أن طهران تمتثل لبنوده. لذلك فإن حملة الضغوطات التي أقرتها واشنطن لن تفلح سوى في جلب الشقاء والبؤس للشعب الإيراني. وكما يبدو فإن حلفاءها الغربيين قد رفضوا المشاركة في سياسة ترمي إلى تغيير النظام في طهران. ويبدو أيضاً أنهم يبذلون ما في وسعهم للحفاظ على هذه الصفقة التي سبق وأن توصل الجميع إليها، لذلك فإنه من المسلم به أن تثير عبارات بنس حفيظة الأوروبيين الذين سينظرون إلى مطالبه السخيفة على أنها تمثل إهانة لهم جميعاً.
يؤكد خطاب بنس أن هوس الإدارة الأميركية بإيران قوي ومدمر أكثر من أي وقت مضى. وأن مؤتمر وارسو قد ساده الارتباك والفوضى، وزاد في الأمر سوءاً ما صدر عن بنس من إهانات موجهة للحلفاء الغربيين، ما جعل هذا المؤتمر لا يجني سوى الخيبة والفشل الذريع.
ترجمة: ليندا سكوتي
بقلم دانييل لارسن
The American Conservative
التاريخ: الأحد 17-2-2019
رقم العدد : 16911
