الملحق الثقافي-هيا غندور:
في ساعات متأخرة من الليل جرى حوار عميق بين العقل والقلب وجلست الحواس كلها تترقب… ترى هل يمكن للعقل أن يغير القلب؟؟ أو إن كان باستطاعة القلب أن يؤثر على العقل المتشبث بمبادئه؟؟
وقف العقل بكل غرور وبدأ حديثه بكلمات ممزوجة بالكبرياء مغمورة بالجدية قائلاً للقلب: كف عن سفاهتك أيها السفيه وانظر إلى الواقع لعلك ترى كم من الخسائر التي كنت أنت سببها. لم أنت هكذا؟ تعشق التضحية وليس هناك من يبصر تضحياتك…
فلتر الحياة من زاويتي أنا وكن على ثقة أنك المنتصر وإن اتبعتني لن تكون من الخاسرين.
أنا فقط من يسير على شواطئ الصواب وإني في مبادئي لا أعرف معنى العذاب… كالشمعة أنت تذيب نفسك لتضيء حياتهم، وما من أحد يستحق. أرجوك كف عن الغباء.
رد القلب بحروف تحترق من شدة الآلام وبهدوء يصف شدة الأوجاع: أخاف عليك أيها العقل. أخاف عليك من يوم تغرق به في بحار صوابك، ولعل تلك المبادئ ستنتهي بك بطرق أشد بكثير من عذابي.
لطالما اعتدت أن تظلم وأنت تسير خلف مبادئك… ما بك ألا تفقه أن لا قيمة للحياة دون العواطف وأني في أودية أحزاني لأسعد بكثير من عقل يظن أنه على شواطئ الصواب…. عذراً يا سيدي فهذا أنا ولست بحاجة لأشرح لك لم أنا هكذا أو لم سأبقى هكذا.
احتد العقل من هذه الأجوبة وبكل غضب قال: كفاك سخرية ألا ترى كم ظلمت من الأشخاص وكم تخليت عن أشياء لأجل من أحببت؟ استيقظ من أحلامك قبل أن تخسر المزيد، فقد فقدت صوابك وبت لا ترى سوى عواطفك. أين أنت من هذه الحياة؟؟ حتى أنك لم تعد قادراً على موازنة نفسك، وفي كل نهاية مطاف أنت الذي يقع دائماً وتقبل بظلم الجميع ثم تعود فتبكي وتشكي.. ليس قدرك هو المذنب بل أنت من تخلى عن الكبرياء وليس هناك ما أهم من كبرياء المرء.. فإن لم تحفظ كرامتك ليس هناك من سيحفظها لك – ولا حتى من أحببت – استيقظ فلا الحياة مشاعر ولا المشاعر تأتي بالسعادة.
أخاف عليك أن تصحو بعد فوات الأوان بعد جرح عميق يكاد ينهي وجودك ليس هناك من حصان أبيض وليس هناك من فارس للأحلام.. هناك مبادئ وعلاقات ليست إلا أيام مؤقتة في هذه الحياة.
رد القلب بانكسار محاولاً إقناع العقل بأشياء هو ذاته غير مقتنع بها قائلاً: تباً لك ولمبادئك، ألا ترى كم أفسدت من الأحاسيس المرهفة نتيجة ما تظن به مبادئك السخيفة.
جرحت الكثير من الأشخاص الذين أحبوك ظلمت وكسرت قلوبهم ظناً بأنه لا مكان للحب في عقل لا يحوي سوى أفكار سوداء كم أخطأت بحقهم وكم رقصت على ألحان أوجاعهم.. من أي أوتار الظلم عزفت لحن حياتك؟؟ ومن أي خيوط الظلام نسجت ضوء نهارك؟؟ إنك تدفن نفسك في مقابر الأحياء.
ومن أي زمان أتيت بهذه الكلمات؟؟ وهل في سطور الحب نوع من هذا العناء؟؟
إنك لخاسر عندما يصح الصحيح وتبدأ المعاناة… إنك لظالم لا يهتم لمشاعر الناس… لا تؤمن بالحب إن أردت ولكن لا تجرح من أحبوك وتسكنهم في كهوف العذاب.
ترتمي في أحضانهم شاكياً لهم من هذه الحياة آخذاً ما تحتاجه من العطف والحنان.. تسلب ما بداخلهم من الإحساس وعندما تكتفي تنعتهم بالغرباء ثم تصف الحب بأنه أحقر العلاقات.
حقاً تعبت منك تضع القوانين بنفسك وتسير خلفها وكأنك تجهل كل ما فعلوه لأجلك ترأف بحالهم قليلاً ولا تغفل عما يشعرون ولا تدع ظنونك تسيرك فتخسر كل شيء… لا تكن أنانياً فتصف الحب بأنه الشيء الذي تستطيع أن تجده كل يوم حتى لا يأتي عليك يوم تذوب أضلاعك من العذاب وتحترق بحاجتك لمن لا يرغبون بك بعد هذه المعتقدات.. لا تقلل من شأن الحب فهو السعادة الممزوجة بالمعاناة، وإن لم تكن كفيلاً به فلا ترهق نفسك بالحب أبداً.. ضع المنطق جانباً واصغ لأحاسيسك فهي لن تخونك.
أجاب العقل منفعلاً: لست من الخيول التي اعتادت السباق، فلتتخلّ عن هذا الميدان لأنك الخاسر الأول والأخير في معركة الحب وحرب الحياة… إني أراك المذنب الوحيد بحالي اليوم… (احتد الحوار بينهما فالقلب يسير ظاناً نفسه على جسر نهايته ملامسة الأحلام، والعقل يرفض أساطير الحب والغرام، ولكل معتقد جانبه السلبي وآخر إيجابي. وانتهى الحوار بالفشل، فابتعد العقل بكبرياء، وأخذ كل منهما يبحث في كلام الآخر، وكعادته القلب بكل غباء يقبل بالتنازل ويبدأ بالحديث ناسيا غروره).
اقترب القلب من العقل وقال: سيأتي يوم وتدرك أنك المخطئ… غضب العقل منه لأنه يقبل بالتنازل دوماً ورد منفعلاً: عليّ أن أنهيك لأعيش بسلام… فرد القلب: بل أنا من سأنهيك وأجعل حقيقة من الأحلام.
التاريخ: الاثنين19-2-2019
رقم العدد : 16912