فيما يشبه التهديد بحق شركائه ضمن ما يسمى التحالف الدولي المزعوم لمحاربة داعش دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدول الأوروبية لاستعادة مواطنيها المنخرطين في التنظيم الإرهابي ممن تم اعتقالهم أو سلموا أنفسهم للقوات الأميركية وعملائها في مليشيات قسد، متوعداً بإطلاق سراحهم في حال تأخرت كل دولة عن استلام حصتها مما تبقى من فلول التنظيم، وبهذه الدعوة وهذا التهديد الذي يخفي ما يخفيه تتهيأ الولايات المتحدة الأميركية لإقفالملف داعش في سورية استعداداً لاستكمال انسحاب قوات احتلاله من شرق الفرات لأنها حسب زعمه أنها حققت الانجاز المطلوب وهو هزيمة التنظيم الإرهابي، بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، إذ انهار المشروع الداعشي تحت ضربات الجيش العربي السوري ودعم ومساندة حلفائه في حزب الله وروسيا وإيران، وتمكن محور المقاومة من القضاء على أغلب جيوب التنظيم في سورية، في حين تذرعت واشنطن وحلفاؤها بالتنظيم الإرهابي المتطرف المصنع بإشرافهم وتمويل بعض المشيخات الخليجية من أجل التدخل في سورية ونشر قوات وقواعد لأجل غير مسمى.
اللافت في هذه الدعوة العالية النبرة تجاه حلفائه في الناتو والمفعمة بالوعيد في حال التقاعس عن تلبيتها أن ترامب يريد إقفال ملف تنظيم داعش على الأقل في سورية من أجل دفن أسراره وقصصه وخفايا وفضائح التورط الأميركي والغربي في دعم الارهاب وتبرير قرار الانسحاب من سورية بحجة أنه جاء كنتيجة طبيعية للانتصار على داعش، غير أن الأوربيين محرجين من النهاية التي آل إليها التنظيم، حيث التوقعات لدى الاستخبارات الغربية أن يعمل التنظيم على هز الاستقرار والأمن في بلدان المنشأ كما حدث في مرات سابقة، حين لجأ التنظيم لأسلوب الانتقام من الدول التي شاركت بالتحالف الدولي ضده وقام بعدد من الأعمال الإرهابية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا ودول أخرى.
بحسب الأرقام التي ذكرها ترامب هناك أكثر من 800 مسلح داعشي من جنسيات أوروبية معتقلين لدى مليشيات قسد، بينما اختفى العدد الأكبر منهم في ظروف غامضة، حيث قامت الولايات المتحدة التي تنتشر قواتها في منطقي شرق الفرات والتنف بنقلهم إلى جهات مجهولة بغية استخدامهم في إطار مخططاتها الرامية لزعزعة الاستقرار والأمن في العديد من الدول التي تناهض سياساتها الاستعمارية كاليمن وفنزويلا، وثمة معلومات متقاطعة أوردتها مصادر إيرانية أن جزءاً كبيراً منهم تم نقله إلى أفغانستان بغية استخدامه ضد غيران في مرحلة من مراحل استهداف إيران، وقد لا يستبعد أن يكون التنظيم متورطاً بعدد من الأعمال الارهابية التي ضربت إيران في الأشهر الأخيرة وخاصة الهجوم الأخير الذي طال حافلة للحرس الثوري الإيراني في زاهدان الأسبوع الماضي بتوقيت انعقاد مؤتمر وارسو المخصص في جزء منه للتآمر ضد إيران والضغط عليها.
وسط هذا التعاطي الأميركي مع ملف فلول داعش تبدو الدول الأوروبية الشريكة بالتحالف الأميركي محرجة من عودة مواطنيها المنتمين للتنظيم، وثمة خشية من تداعيات عودتهم، الأمر الذي دفع باريس للرد على دعوة ترامب بالتأكيد أنها لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالين لكنها ستعيد المقاتلين على أساس مبدأ «كل حالة على حدة « وقالت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه «هناك وضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأميركي من سورية ولن نغير سياستنا في الوقت الحالي… لن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب (ترامب)».
في حين ردّت برلين بفتور على دعوة ترامب واستصعبت تلبيتها، وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن تنظيم إعادة متشددين أوروبيين محتجزين في سورية، كما يطالب ترامب، أمر «بالغ الصعوبة» حالياً.
وأضاف ماس لشبكة التلفزيون الألمانية «أيه آر دي»، مساء الأحد، إنه لا يمكن تنظيم عودتهم «ما لم نتأكد أن هؤلاء الأشخاص سيمثلون فورا هنا أمام محكمة، وسيتم احتجازهم».
وأوضح أنه لهذا السبب «نحتاج إلى معلومات قضائية وهذا لم يتوفر بعد»، مؤكداً أن إعادتهم في الظروف الحالية أمر «بالغ الصعوبة».
وأشار إلى أن برلين تريد «التشاور مع فرنسا وبريطانيا بشأن طريقة القيام بذلك».
الجدير ذكره هنا أن الرقم الحقيقي لعناصر التنظيم من الجنسيات الأوروبية غير دقيق، فبينما يتم الحديث عن نحو 800 مسلح ستتم استعادتهم إلى دولهم تحدثت إحصائيات أخرى عن أكثر من خمسة آلاف وقد يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، وهذا ما يقلق الأوروبيين.
تعترف السلطات الألمانية أن نحو 1050 شخصاً سافروا من ألمانيا إلى منطقة القتال في سورية والعراق، منذ عام 2013، أي انضموا إلى داعش وبقية الجماعات الارهابية، في حين تؤكد أن ثلث هذا العدد تقريباً قد عاد بالفعل إلى ألمانيا، ما يؤكد أن الأرقام التي يتم تداولها غير دقيقة، ويكتنفها شيء من الغموض، ويبقى السؤال أين اختفى الباقون..؟!
وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير أعلن في أواخر كانون الثاني الماضي أن انسحاب الولايات المتحدة من سورية أجبر فرنسا على الاستعداد لعودة عشرات المتشددين الفرنسيين الذين تحتجزهم قوات مليشيا قسد، وتحاول باريس بالفعل إعادة القصّر أي كل من لم يتجاوز سن البلوغ على أساس مبدأ كل حالة على حدة.
وتقول مصادر عسكرية ودبلوماسية إن قسد تحتجز نحو 150 مواطناً فرنسياً في شمال شرق سورية بينهم 50 بالغاً.
وتقضي سياسة الحكومة الفرنسية الحالية برفض استعادة المقاتلين وزوجاتهم رفضا قاطعاً، وقد أشار إليهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان باعتبارهم «أعداء الأمة» الذين يجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سورية أو العراق.
أما بريطانيا فلم تحسم قرارها حيال مقاتليها الموجودين على قيد الحياة، وهم يلقّبون بـ»الخنافس» بسبب لكنتهم، وقد ظهر بعضهم في تسجيلات فيديو قطع رؤوس أسرى لدى التنظيم، ولم تبدِ أي نية لاستعادة مقاتليها المحتجزين لدى قسد وسط تقارير عن تجريدهما من الجنسية.
وكانت تقارير صدرت العام الماضي أفادت بأن واشنطن مستعدة لنقلهم إلى معتقل غوانتانامو في كوبا، وهو خيار من شأنه إثارة جدل واسع في بريطانيا بخاصة بسبب عقوبة الإعدام المطبقة في الولايات المتحدة.
ويحاول حلفاء واشنطن منذ أسابيع التوصّل لاتفاق بشأن مصير مواطنيهم الملتحقين بالتنظيم الإرهابي ممن تحتجزهم مليشيات قسد التي حذّرت من أنها لن تتمكن من حراسة سجونها عند رحيل القوات الأميركية من سورية.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 19-2-2019
الرقم: 16913