يترافق الحديث عن إعادة الاعمار، بالحديث عن الرأسمال الاجتماعي، وعن اعمار الانسان والأسرة، أي عن احياء العمل على ما سببت سنوات الحرب من تراجعه في العلاقات الاجتماعية والقيم والمعارف، أي إعادة بناء مجتمع المعرفة، لنمو الوعي الاجتماعي، ما يدفعنا للسؤال عن مسؤولية الدولة والمؤسسات الحكومية لتكوين مجتمع المعرفة؟ ومسؤولية النخب الثقافية أيضا وكذلك المجتمع المدني بما هو عليه؟ وتضافر جهود الجميع لإرساء مجتمع المعرفة، نتيجة لتوفر جملة من الشروط الموضوعية والمعطيات المعرفية التي تزخر بها الذاكرة الجماعية.
وهذا يحتاج لتبني الحكومة والنخب العلمية والثقافية لمطلب بناء مجتمع المعرفة، واتفاق الطرفين على أهمية نمو الوعي الاجتماعي وحدوث تراكم معرفي في الحياة الاجتماعية تدفع الأفراد لاتخاذ مواقف إيجابية في مختلف القضايا، الصحة والتعليم والبيئة والزواج والعمل، وتتيح لكلّ واحد منهم القدرة على النمو المستمر، والتواصل الحقيقي مع المعطيات المعرفية يوماً بعد يوم، ومرحلة تلو مرحلة.
إن الأنشطة والبرامج والميزانيات التي يجب أن تخصص لتكوين مجتمع المعرفة، ليس مسألة ترفيه، وإنما قضية حيوية، لمجتمع بأكمله، أنهكته الحرب وتداعياتها، وبالتالي إما أن يأخذ بأسباب النهضة الحضارية فيحسّن قيادة نفسه، ويعيد تقديم نفسه للعالم بصورة تليق به، وإما أن يفقد القدرة على الالتزام بشروط النهوض الحضاري.
ثمة مشاريع كثيرة كانت بمرحلة العمل عليها، منها تحسين جودة التعليم وتمكين المرأة الصحي والاقتصادي والاهتمام بالشباب، تعديل القوانين المعيقة لتطور المجتمع لكنها توقفت، واليوم لابد من احيائها دونما إبطاء لتحقيق انتشار قيم التعلم المستمر، ومبادئ الالتزام بالمضي قدما في طريق العلم، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي لا تخلو من التخبط، وتراجع قيم العلم وغيرها.
لابد من خلق مناخ معرفي صحّي ينعش الحياة الفكرية للمجتمع بأسره، ولابدّ أن تتدخل الدولة ممثلة في وزاراتها ومؤسساتها المختلفة لتنجز هذه المهمة وتقوم بهذا الجهد، وعليها الاعتماد على النخب الثقافية والعلمية، والمثقف في هذه المرحلة هو الشخص الذي يجني ثمار تعبه ونتائج جهوده المسبقة.
إنّ البنية المعرفية التحتية لأي مجتمع من المجتمعات تصنعها النخب الفكرية، تسبق الانتقال إلى مجتمع المعرفة وتمهد لها، وكلما كان دور المثقف أكثر ظهوراً وأداؤه أكثر قوة، وكلما زاد عدد الرموز الفاعلة أسهم ذلك دون شك في تسريع الانتقال إلى مجتمع المعرفة، وساعد على تقليص المسافة الفاصلة ما بين تحسين الأداء المجتمعي للأدوار المناطة بالأفراد وما بين الصورة المائلة التي يعكسها الأداء غير المنظم للمجتمع الذي لا ترقى به أدواته لبلوغ الأفق الذي نتحدث عنه. وساعد على تراجع تأثير قيم العنف والحرب.
وهذا يحتاج كما قلنا لتفعيل دور المثقف، وتشجيع المبادرات التي يقوم بها المجتمع المدني، لإعلاء قيمة العلم والثقافة والفكر. لأن النهوض يحتاج لتضافر جميع الجهود، وتقبل الأفكار الجديدة ودعمها وتشجيعها.
لينا ديوب
التاريخ: الخميس 21-2-2019
الرقم: 16915