يبحث عني الليل فيجدني في حناياه، أنتظر خيط الشروق وأنا أغسل دموعي بمشهد دمائهم الطاهرة، ليوم تغتال شمسه سطوع أمسه، بانتظار أمل الغد علَّه يغتال يباس اليوم الساكن ثقوب قلبي النازف، حيث لا لقاء بينهما، كما قلوب الأمهات المنتظرة..
نَخَرَ مِنْ سِنِيِّ عُمْرِنا دخلاءُ الوعي سبعاً، ليتها تساقطت كأوراق الخريف، مخدوعين بأزعومة الربيع الكاذب، صرفوا عبرهم حيثيات حروبهم الباردة، بحد سكين ساخنة تحزُّ رقاباً، تصاعد هواءُ رِئاتها إلى غير رجعة؛ من صدورٍ طالما احتضنت الغرباء.
حقد دفين تسلل عبر تفكير عقيم، وثقافة تفقير الخيال المتوحشة، التي تَدْلُقُ النقد لتبتلينا بمرض العدمية، يزايد فيها الدجالون على الصابرين، متسلحين بقدرتهم على تحريك شعاراتٍ، وتسويق مصطلحات تهدم حدود الأخلاق، بتشويه صور الحقيقة.
تحركت حمّى الاستعمار بشائقة نزواته، تُعاقر ربيعهم وسياساتهم الملتوية، متمرغين على أعتاب العروش، كمطرقةٍ تسحق فكر البشر وأثرهم، تخنقهم كسمكة بلا غلاصم بتغرير يصوغ قصوراً من رمال، تهدمها هبَّة ريح عابرة، مثل العروش المزيفة.
مناقبية وعقيدة جيشنا؛ ملَّكتْهُ ميزاتٍ عظيمة، تجسدت في حسه الوطني، كسر بها مسطرتهم الظالمة وبدائل خططهم، مع ظهيره الشعبي بمهابة مزاياه العلمية وضبط تكنولوجية مهامه، والجميع يحتضن خريطة وطنه في حجرة قلبه المغلق بين جناحيه.
الشعب السوري أبرم تاريخياً اتفاقات ومواثيق، توجته على منصات الإبداع الشارقة عبر العصور، رغم ليِّ ذراعه بجذبٍ ونبذٍ في جميع الاتجاهات، تحت وطأة اللهاث، وقسوة مآسي الأمة القسرية منذ الاستقلال، بتعسف غاشم في لعبة التدمير والتعمير.
لم تَسْلَمْ آخر منازل أبنائنا في الدنيا من التدمير، وتعذيب ورودها الدامية، وبراعمها البازغة، لتستقر في آنية من جلمود قلوبنا، كظلالهم تحت الشمس الغائبة في جوف الثرى لتزيد من أوجاعنا، تضيّع سكينة مساءاتنا، فيقطننا حزن أبدي إرثاً كالأساطير.
أبطال قاوموا مجاميع القوى الدينية الراديكالية، الدخلاء على الوعي، متصحروا الفكر بغباء سياسي مدقع، بائعوا الموت بصفاقة لا متناهية، تبقي جراح الأبرياء تحت وطاة الفساد كلما هدأت ينكؤها، مغلفاً بعتمة تطفئ الأرواح، كقذيفة تطفئ مصابيح الشارع.
في وطني تنام الساحات ورفاة الأحبة في حضن ورود وزروع، تحدت قحط اليباس بأصالة التنوع، تهدل مع اليمام تحت ومض القمر، على نغم نايات فراتية غصَّت زمناً، تطوي طريق ليلها الطويل بحثاً عن الفجر، تقتحم بإيماءاتها نوافذ الروح.
دموع العفة تحدت وقاحة عيون تتجول داخل جراحنا، تغذي الصراع مع العدم، تحت عجلات الموت السريع، باحثة في تفاصيل الليل عن حلم فراشةٍ رهيفة استلفت من قوس قزح ألوانها، تهذي بدورانها بين حنين العودة للوطن، وأماني النصر الكامل.
المقاومة بإنجازاتها على الأرض، أوصلت الحاصل السياسي الذي تنادوا لجمعه في جنيف للصفرية، وأصبحت آستنة وسوتشي أكثر فاعلية، ما جعل أوردة الغائبين تنبض بشجن الحنين، لييمموا وجوههم شطر الوطن، وهم يصوغون عقداً من نجوم سمائه.
صلاتنا في محراب الوطن، نجترح فيها آلاماً وأحلاماً عارية، نضمها بين أهداب العيون، طعاماً صحياً لقلوب تلملم حطام جدرانها؛ مع حطام دورنا المذبوحة على أرصفة تشهد أنها لنا، نحمل مفاتيحها بحذر كي لا تضيع بين الركام وسوءات الجشع.
يمر بها الليل يقطر من دم من تاهوا بين حجارتها.. التي عانقت عشباً ووروداً ربيعية عادت بعد غياب سنين، لترسم بألوانها وسام نصر وطنٍ، هزم عروش النفط الجوفاء بزنود بنيه، أشرع سارية احتضنت علمه من علياء تكتحل بها عيون القاصي والداني رغم وطأة الأحداث، وإدمان الغزاة والخونة، دخلاء الوعي على تقسيمنا ولو بالقوة.
عادنا الربيع ليضيء نوافذ الروح، ويفتح أكمام الزهور في الهواء الطلق، نتنشق منه عبق دمهم الزاجل، طارداً ريح نفايات الغرب العفنة، ودخلاء الوعي، الذين ملؤوا مغاور الدنيا فلا تعقمهم ملوحة البحر، ولا تغير معالمهم حكايات الحب الاستعراضية
رغم كل الحزن الجارف، والشوق الذي يعتصر دموعنا؛ المتحررة من سجن أجفاننا الملتاعة ساعة الغروب الذي اختطفهم. هناك عيد يعود عاماً بعد عام، وتنمو شجرة الحياة بتجدد أوراقها كل ربيع، بين الشروق وهم معنا وغروب الرحيل قلب يتفطر.
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 7-3-2019
رقم العدد : 16926