ثورة آذار المجيدة التي تصادف اليوم ذكراها السادسة والخمسين، لم تكن حدثاً عابراً، بل شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ سورية، وفجراً وانبعاثاً حقيقيين على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، واستطاعت أن تجتاز كل العقبات التي اعترضت طريقها بفضل ارتكازها على قاعدة شعبية وطنية صلبة.
ولأن ثورة الثامن من آذار كانت رداً طبيعياً على إيديولوجية الانفصال الرجعي وتلبية لطموحات الجماهير في القضاء على الاستغلال، فهي ستبقى مستمرة ومتجددة، وقد أثبتت العقود الماضية أنها أنموذج للثورات الحقيقية التي تلبي طموحات الشعب، وقد وضعت في أولوياتها تحرير كل الأراضي العربية المحتلة، والعمل على إعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين، ومنع أي محاولات تقسيمية تستهدف وحدة المنطقة ونسيجها الاجتماعي، ولذلك كانت الدول المتربصة تعمل دون كلل أو ملل للنيل من سورية باعتبارها صمام الأمان للأمة العربية، وهي اليوم تدفع ثمن دفاعها عن ثوابتها من خلال الإرهاب المصدّر إليها من كل أصقاع الأرض.
وقد أعطت ثورة آذار سورية موقعاً مهماً على مختلف الصعد، وأرست دعائم الدولة الحديثة المرتكزة على البناء المؤسساتي والديمقراطية الشعبية، وجعلت كذلك من سورية محطّ أنظار العرب جميعاً في الرهان عليها لاستعادة حقوقهم والحفاظ على هويتهم، حتى باتت الآن القلعة المنيعة الوحيدة في مواجهة الأخطار والتحديات، فكان المطلوب هو الإجهاز على كل الإنجازات التي حققها الشعب العربي السوري طوال العقود الماضيـة، كي لا تبقى سورية الرقم الصعب في حسابات الغرب التقسيمية، وبالتالي تمرير المشروع الصهيوني لتحويل منطقتنا إلى مستعمرات متناثرة يتقاسم الأعداء خيراتها وثرواتها.
أعداء سورية حشدوا طوال أكثر من نصف قرن العديد من المؤامرات والضغوط، وجربوا كل أنواع الحصار والتهديد والوعيد، ولم يفلحوا في القضاء على جذوة المقاومة في سورية ، ووصلوا في حشودهم تلك إلى شن حرب إرهابية تقودها الولايات المتحدة علهم ينجحون في القضاء على شعلة آذار التي أسهمت في تغيير معادلات كثيرة في المنطقة وزرعت بذور ثقافة وطنية وقومية هي ثقافة المقاومة وثقافة استلهام التراث الحضاري العربي المستند الى قيم الحرية والكرامة والاستقلال.
وما تتعرض له سورية اليوم من إرهاب وهابي تكفيري مدعوم أميركيا وفرنسيا وبريطانيا، ومن قبل نظام أردوغان الإرهابي، هو ضريبة حتمية لانجازات ثورة الثامن من آذار، والنجاحات الكبيرة والكثيرة على كافة الصعد هي التي جعلت قوى الحقد ورعاة الإرهاب في العالم يشنون حربا إرهابية، عبر مرتزقة أكثر من مئة دولة لمحاولة النيل من الدولة السورية، وثنيها عن مواقفها الوطنية والقومية، وتحييدها عن القضية الفلسطينية، ليتسنى لكيان الاحتلال الصهيوني استكمال مشروعه في تصفية الوجود الفلسطيني.
ولكن العوامل التي مكّنت الثورة من تعزيز صمودها وتصديها لكل ما حيك ضدها وضد حاملها الأساسي أي الشعب العربي السوري، هي عوامل عدة متكاملة في صيرورتها التاريخية.. من أهمها قدرة الثورة على التجديد باعتبار ذلك استجابة لقوانين الحياة والمجتمعات والتزاماً بمعالجة السلبيات والأخطاء وبأخذ المتغيرات بعين الاعتبار، لأن المتغيرات مكون طبيعي في حركة الحياة. وما يزيد من إيمان السوريين بحتمية فشل المؤامرة والحفاظ على إنجازات ثورة آذار التي تحققت عبر 56 عاماً هو وجود جيش عقائدي قوي يحمي الوطن ويعمل على استئصال الإرهاب والإرهابيين لتبقى سورية حرّة بقرارها، ولتبقى الثورة مستمرة بعطائها عبر تطوير آلياتها بما يخدم متطلبات الحاضر وتطلعات جماهيرها في بناء سورية المتجددة وإعادة إعمارها على أسس ومنطلقات الثورة كما كانت على الدوام.
كتب المحرر السياسي:
التاريخ: الجمعة 8-3-2019
الرقم: 16927