ثورة أون لاين- علي نصر الله:
باندفاع، وبحماس كبير، كثيراً ما نَتحدث عن خطوات قَطعناها على طريق اختصار الورقيات، المُراسلات، وعلى طريق تَبسيط الإجراءات وتَسهيلها. وفي واقع الأمر يَحصل التقدم بهذا الاتجاه، ويُمكن قياسه، لكنه للأسف لا يحصل بمساحات واسعة وإنما بمواقع مُحددة.
في صحيفة الثورة “النُّسخة الورقية”، لنا تجربة بهذا الاتجاه، إذ اشتغلنا منذ عدة سنوات على جعل دورة العمل الكترونية مُؤتمتة، تعتمد الحد الأدنى من استهلاك الورق، الطابعات، الأحبار، ومُستلزمات أخرى يَقتضيها العمل الصحفي .. الصُّور وما إلى ذلك.
وضعنا خطة عمل، برامج زمنية، انطوى ذلك على أهداف طموحة قلنا ببداية التجربة: علينا أن نصل إلى 20% خلال الأشهر الستة الأولى، ثم لنَصعد إلى نسب مئوية أكبر، وهكذا صعوداً إلى مُستوى الصفر لجهة استهلاك الورق وسواه، أي بلوغ نسبة 100% باستثمار الحواسيب في إنتاج العمل اليومي.
تَحقق ما خَططنا له، فصارت كفاءة الزملاء أفضل، عددٌ كبير منهم طوروا قدراتهم لجهة كتابة موادهم بلا أخطاء أو بأقل نسبة منها، اتبعوا دورات لإتقان العمل على برامج حاسوبية نَحتاجها بعملنا، فاتّسعت الطموحات لإنجاز خطوات أخرى .. لن نَتحدث عنها الآن.
غايتُنا من عرض التجربة، ليس الاستعراض، ولا الاستغراق بمَديح الذات مُؤسسة وكوادر، وإنما لنَسوقَ مثالاً يُؤكد حتمية النجاح عندما تتوفر الإرادة للفعل، وعندما تكون الأهداف واضحة، واقعية، وعندما تتوفر الأدوات اللازمة.
الغايةُ الأخرى، هي أن نُجري إسقاطات على تَجارب جهات أخرى نُظهر في الإعلام ما تَقوم به ونَتحدث عنه طويلاً في لحظة الشروع بالعمل، لكننا إذا كنا مُنصفين فكان ينبغي ألا نَستعجل الحديث عن واقع سيَتغير، ذلك لأن هذا الواقع لم يَتغير رغم أنه كان المُستهدف رقم واحد لجهة التغيير، ولجهة إحداث الفَرق الذي سيَتلمسه الجميع!.
مُؤسسة التأمينات الاجتماعية، كمثال، مُؤسسة يرتبط بها كل العاملين بالدولة والقطاع الخاص المُسجلين على قيود التأمين، أي أصحاب الرقم التأميني، حتى الآن تُعد من المُؤسسات التي يَتهيب العامل إنجاز مُعاملة فيها، مهما كان نوعها، شكلها، تَعقيداتها! لماذا؟.
هل لأنها فعلاً تقوم بحجم عمل ضخم؟ أم لأن عملها يتصل بقوانين مُتعددة يَحتاج بعضها لتعديلات تُطورها؟ أم لأن أتمتة العمل فيها مُعقد للغاية بحكم ارتباطها بمُؤسسات لم تُؤتمت عملها؟ أم لهذه الأسباب مُجتمعة؟!.
مُعاملة التقاعد، نهاية الخدمة، حتى الآن تَحتاج لمُعقب معاملات شاطر، تَحتاج عدة أشهر، تَحتاج الصبر الطويل لتَنتهي، وربما تُوجب الانغماس بعمليات فساد تتم تحت عنوان الإكرامية لموظف يَغرق بالورقيات والتدقيق فيها طيلة ساعات العمل .. لماذا؟.
في نهاية الخدمة، يَنبغي أن يجري تَكريم العامل، لا جعله يُسابق الزمن جَرياً خلفَ ورقيات صارت صفراء ليَأتي بنسخة عن قرار التَّعيين، وأخرى عن الترفيعات، وأخرى عن إجازة بلا أجر اضطر لها ذات مرة، وأخرى عن ورقيات قد يكون شاقاً الحصول عليها إذا ما كان هذا العامل قد تَنقّل خلال مَسيرة عمله من وزارة لأخرى، أو من محافظة لأخرى، و .. و .. الخ.
في نهاية الخدمة، يَجب ألّا يحتاج العامل إلا لزيارة واحدة للجهة التي تَطلبه ليَجري تَسليمه بطاقة الصراف التي بمُوجبها يَتقاضى مَعاشه التقاعدي الجديد، إذ يُفترض أنّ كل المُتعلقات به خلال سنوات عمله “قرار التعيين، الأجر، الترفيعات، الإجازات، التنقلات .. كل الوقائع” هي مُتوفرة، إما على مؤسسته أن تَجمعها وتُحضرها قبل عدة أشهر من إحالته على التقاعد، أو تَطلبها المؤسسة المَعنية بإنجاز هذا الأمر، ليَجري ذلك بين مؤسستين، أو بين طرفين يوجد أصلاً قنوات اتصال شهرية بينهما بحكم العلاقة المالية والإدارية القائمة بينهما!.
إذا كانَ للأتمتة وللإصلاحات الإدارية والتشريعية من هدف، فهو تَسهيل الإجراءات وتَبسيطها، واختصار دورة العمل والزمن اللازم لها، وتَجويد الأداء بما يَجعل نسبة الخطأ تُلامس الصفر .. فهل يُمكن القبضُ على شيء من هذا عندما نُراوح بالمكان ونَتمسك بكل ما تَقدم من إجراءات نَعتبرها مُوجبة، وعلى العامل القيام بها عند انتهاء خدمته؟!.