تتفاقم للأسف الشديد معاناة شريحة كبيرة من المواطنين السوريين ممن تعني لهم الـ (50) ليرة سورية شيئاً ما في حياتهم المالية على الرغم من مجيء العام الحالي ومرور ما يقرب الثمانين يوماً عليه. وسر الإشارة إليه أن مصرف سورية المركزي كان قد أعلن في تشرين الثاني الماضي أن الخمسين ليرة الجديدة الحديد قد صكت وأصبحت جاهزة وستطرح للتداول في بداية العام ٢٠١٩ واستغربنا حينها هذا الاستمهال فالناس بانتظارها على أحر من الجمر…!
وعلى الرغم من مضي ما يقرب من الـ ٨٠ يوماً على العام ٢٠١٩ فإن هذه الموعودة المنقذة من مشاحنات كثيرة وتشنجات وملاسنات لم ترَ النور بعد في أيدي الناس ولا تزال غائبة عن التداول ولَم يقدم صكها وهو مكلف جداً دون شك أي حلول عملية، ففي الميكروباصات – وهي عملياً وسيلة النقل العامة الأساسية على كثير من الخطوط داخل المدن السورية والأرياف – تتبدى حدة المنغصات اليومية إذ يطلب السائق الخمسين ليرة مهما أعطيته من فئات نقدية بدءاً من – ١٠٠-٢٠٠ – ٥٠٠ -١٠٠٠ – ٢٠٠٠- يقول للراكب (ما معي)، فإذا كان أعطاه مئة ليرة يأخذها كلها وهذا ما يؤلم الجميع الآن. وإذا كان المبلغ أكبر يعيده السائق للراكب مسبباً له إحراجاً وهو لا يستطيع مغادرة الميكروباص لأنه قد وصل إليه بصعوبة نظراً لندرة الميكروباصات العاملة حالياً والحديث هنا عن دمشق بسبب أزمة مفاجئة في المازوت واضطرار سائقي الميكروباصات للانتظار ساعات عديدة للحصول على مخصصاتهم (وبعضهم يقول إنه ينام في الميكروباص ريثما تفتح محطة الوقود أبوابها وأنه لا يحصل إلا على 20 ليتراً عن يوم عمل واحد وهذا لا يكفيه).
أما باصات النقل العام وجلها اليوم خاصة فإن للمواطنين معها الصعاب ذاتها، ما يفاقم الازدحام الموجع في الوصول إليها، وقد ابتكر بعض السائقين حلاً لم يدم طويلاً ألا وهو رد قطعة بسكويت للراكب بدلاً من الخمسين ليرة المفقودة دائماً. هذا الحل اعتمدته بقوة صالات التدخل الإيجابي التابعة للسورية للتجارة وليتها فعلت لإنقاذ الشركة الحكومية غراوي، فهي أي هذه الصالات، أفضل مروج قسراً لبسكويت الشركات الخاصة.
بيد أن لتصرفها إيجابيات: أحدهم اشترى ربطة خبز بعدما سمع بخبر بيع الخبز فيها لتقليص الازدحام وفوجئ على الصندوق أن الخبز سياحي وأن سعره سياحي، وعندما طلبوا منه ٥٠ ليرة وجدها فرصة للهرب من هذه الورطة، وآخر عبَّأ كيلو غرامين من البطاطا المالحة دون أن ينظر إلى السعر وعلى الصندوق طلبوا ٨٥٠ ليرة: معك خمسون، انفرجت أساريره، رأها حلاً ليترك لهم هذه البطاطا ويغادر بسلام…! بائعو السلع والخدمات لا يذهبون إلى المركزي للحصول على الخمسين الحديد وهو لا يأتي إليهم بعملته الجديدة، فهل هذا معقول…!
ميشيل خياط
التاريخ: الخميس 21-3-2019
رقم العدد : 16937