مواصـــلات ذكيــــة

و أخيراً .. حالفه الحظ بعد ترقب و انتظار و استنفار أعصاب و أنين أقدام ، بدا و كأنه قد ربح مليونا أو أكثر ، كان مختالا بنفسه معتزا بها ، فوسيلته مبررة و غايته منزهة في شن هجوم سلمي و تسلل استباقي ، و تقديم الذات على جمهرة حاشدة من أجساد بعضها تبدو هشة و أخرى يقضمها الوقت و يلقي بها في مرمى تأخير و شباك وقت ضائع ، لم يبال بتشوه بصري أصاب بريستيجه الاجتماعي ، و لم يعر اهتماما لتبعثر حسي قضى على شيء من أناقته المتناقضة مع مقاتل في معركة طاحنة تدور فيها الدوائر بين رابح و خاسر ، و من على عرشه الذي دفع ثمنه وقوفا مديدا و ركضا حثيثا و « تدفيشا « قتاليا بطوليا ، و تخمينا ذكيا لمزاجية السائق في نقطة الوقوف ذات اليمين أو اليسار حيث الهدف ، ألقى من نافذة الحافلة المزدحمة بكتل بشرية بالكاد تلفظ أنفاسها ، نظرة متعالية ذات شفقة على الواقفين و المتأرجحين على الباب حتى السقوط المعنوي و الجسدي .. و رمق أسفا سيئي الحظ المستنفرين على رصيف النفير العام ليتابعوا الترقب و ليستمروا بالانهاك و التوتر إلى أن يحين موعد الركوب الميمون ، و أضمر أمنية في سره كصاحب معاناة و وجع يومي ، أن يحالفهم الحظ في جولات قادمة ، ثم عدل جلسته على مقعده حامدا شاكرا غابطا نفسه و حاسدها على نعيم حل به ، رغم بؤس تعيشه مواصلات عامة تتخبط وسط ازدحام بشري خانق حتى الثمالة في الذل و إراقة ماء الوجه .
بين السيرفيس و الباص تحار أقدامنا و تهترئ نعالنا ، و تقفز و تتسلق أمنياتنا المتواضعة حتى التلاشي للفوز بصعود كريم لا تهدر فيه كرامتنا على مذبح الازدحام و عصبية سائق و انتهازيته ، و لا تهدم ما تبقى من إنسانيتنا المتألمة من مواصلات غير صالحة للاستهلاك البشري ، فالانتظار السقيم بات كابوسا يداهم أفكارنا ، و يستهلك حيزا واسعا من طاقتنا المرهقة في الوقوف و الركض و التزاحم و الانحشار و التسلق و التأرجح و القرفصاء ، و يستنزف أعصابنا في الترقب و الانتظار و هدر الساعات للظفر بامتطاء المواصلات ، و الوصول إلى العمل أو مقاعد الدراسة دون تأخير أو تقريع و تأنيب ، و ربما خصم و خسف لراتب حائر من متطلبات حياة و أجرة مواصلات .
انطلاقا من قارعة الانتظار العبثي و الهدر الزمني، في المواقف المحددة و مراكز الانطلاق و الساحات ، و قد خذلتنا السرافيس نوعا و حجما ، و خيبت أملنا الباصات توزيعا و كما ، سنوجه عتبا محقا لمن تعنيهم صحتنا الجسدية و تهمهم سلامتنا النفسية ، و تؤرقهم طاقاتنا المهدورة و تقلقهم ساعاتنا المتسربة خارج دائرة الاستفادة .. نحن ذوو مرارة شارفت على الانفجار و قلب أصابه التضخم ، و ضغط مؤشره بارتفاع من عقم المواصلات ، و افتقادها للذكاء في استقراء حاجاتنا اليومية ، و تلبية كثافتنا السكانية و إسعاف ساعات ذروتنا النهارية ..

منال السماك
الجمعة 5-4-2019
الرقم: 16949

آخر الأخبار
الاقتصاد الدائري.. إعادة تدوير لموارد تم استهلاكها ونموذج بيئي فعال الحرائق في اللاذقية .. التهمت آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية 1000 مستفيد في دير الزور من منحة بذار الخضار الصيفية الحشرة القرمزية... فتكت بشجيرات الصبار مخلفة خسائر فادحة مشكلات تهدّد تربية النحل بالغاب.. ونحالون يدعون لإحداث صندوق كوارث الأتارب تُجدّد حضورها في ذاكرة التحرير  الثالثة عشرة وزير الطوارئ يبحث مع وزير الخارجية البريطاني سبل مكافحة حرائق الغابات تحية لأبطال خطوط النار.. رجال الإطفاء يصنعون المعجزات في مواجهة حرائق اللاذقية غابات الساحل تحترق... نار تلتهم الشجر والحجر والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة "نَفَس" تنطلق من تحت الرماد.. استجابة عاجلة لحرائق الساحل السوري أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا