نادى نوح ابنه عندما جاءه الطوفان، أن حكّم عقلك وتعال معنا، قال سآوي إلى ركن شديد.. لكن الطوفان جرفه عندما غيَّب عقله، ولم ينصع إلى نداء أبيه، ما أشبه مواقف العرب اليوم بموقف ابن نوح.. أي مصير ستنتهي إليه الأمة العربية؟؟..
حكام العرب كابن نوح تخلوا عن هويتهم الوطنية والقومية.. وسفينة العروبة تقودها سورية، لتحميهم من طوفان الإرهاب الأمريكي، وقراراته لملء بئر الصهيونية المحتلة لأرضنا الفلسطينية وجولاننا الغالي، وقبضتها على الرقاب بوادي عربة وكامب ديفد.
ما الذي حدث لحكام العرب، هل سيسلمون من طوفان ترامب إن تذرروا إلى ركن المحتل الصهيوني الذي يظنونه شديداً. من يتخلى عن جلده لن يدفئه جلد النعاج ولا حتى جلد الخنازير بما يختزنه من شحوم.. سلخوا جلدهم المتأصل بنسيج سوري..
تخلوا عن سورية في محنتها.. لا بل وساهموا في إحراقها وسرقة وتدمير مقدراتها وذبح أهلها.. تائهين في ظلمات غيّهم، غير متحسبين لسكين يجرفها الطوفان فتحز رقابهم، تهدلت ضمائرهم في مواتها على سواحل التهلكة حيث لا حماية، ولا نجاة..
أدمنوا الخيانة، وأدمن الكبرياء الهروب من آدميتهم، التي سُلخت بمدية الفتنة المؤدية للخراب نحو الخيبات الكبرى، نزفت أفواههم بجواذب الإعلام المضلل الذي تغشّى على صورة السيدة الخالدة بجوارح أبنائها، سوريةُ الماضي والحاضر والمستقبل.
كما نهشت الهوام جثث الإرهابيين على مساحة الساحة السورية، تنهش فتنة العدو التاريخي حكاماً للانصياع لإرادته، حتى باتوا ينضبون إلى جفاف الوطنية والقومية، بعد أن نضبت النخوة من الرؤوس والوجدان، وصولاً لأصوات ماتت في الحناجر.
تُراها ماتت أم لم تكن موجودة أصلاً، حتى وظِّفوا على هامش المخطط الاستعماري الذي رُسِمَ للمنطقة لإعادة تشكيلها ما بعد سايكس بيكو، حيث لم يعد ملبياً لأطماعٍ الصهيونية التي لا حدود لها ولا نهاية، وجاء ترامب ليعززها في زمن الخراب الغامر
كأن الأرض العربية مزرعةٌ، ملكيتها خاصة لرجل البيت الأبيض ذي العقل الأسود والقلب الفارغ إلا من الدم الذي يضخه لجسد يخضع لرسائل خراب تنبع من حقد تغذى كنهه نحو العرب في محافل الماسونية، لسلب وبيع حريتهم في أسواق النخاسة
سُيِّج الحقد الذي يضمرونه لما لا يمتلكونه أصلاً، بل يسلبونه بإرادة المؤتمنين عليه إزاء شعوبهم، ألا إنهم الجاحدون وخونة الأمانة، يلوذون بحياض عدوهم للبقاء على عروش ثمنها قوت شعوبهم، ونار الهشيم مضرمة تطحن رحاها أرجاء أمتنا بما فيها
لم يبق من قواسم العروبة إلا اللغة التي بدأ التملّص منها، بدءاً من تدجينها بلكنات عامية تُفقرها أبسط بدائيات أبجديتها على صفحات التواصل الاجتماعي، وآخر ما حرر اختراق الدستور المغربي القاضي بتعريب التعليم، بالعودة للغة الفرنسية.
أصبحت عربيتنا تتراوح على الألسنة مثل لعبة شد الحبال، بين مدّ تعريفها بعودة إلى الجذور والحفظ في الصدور، وجزرٍ بانتهاك حرمتها سيراً نحو الاضمحلال، لتبيت في الحضيض، بدل أن تكون المدماك الأساس وأمانة في أجندة تحملها أعناقنا.
الهدايا التي يغدق بها ترامب على الكيان الصهيوني والتي يعتبرها نتنياهو بجبروته واحدة من ركائز فترة حكمه، مع صفقة القرن، خطوة يزهو بها أمام صندوق الاقتراع ليعلن موت فلسطين القضية، ويحمي ذاته من السجن بقضايا الفساد المنسوبة إليه.
بدل أن نشهر كعرب أسلحتنا في وجه الطغاة، نخلي الساحة من كل ما يعزز قوميتنا التي تتواءم مع مواطنيتنا، فكلاهما من رحم هذه الأمة، عدا أن حكاماً يزحفون بِنَهَمٍٍ نحو الصهيونية عرباً وأصدقاء حسبناهم أوصلتهم الصهيونية للتحكم في رقاب العباد.
حقيقة أن الظروف عصيبة في ساحات العالم، حيث أذرع الأخطبوط الأمريكي توسِّع الثغرات أينما وجدت، على مساحة دول العالم التي لا تخضع لإيماءاتها، ما يحقق مصالحها ويلبي أطماعها، فتلعب على الأوتار القادرة على عزف سيمفونيتها
تدعم العصابات الهمجية لاستباحة البشر والحجر، والتحكم بلقمة عيش الشعوب بحصارها، واستخدام أدوات داخلاً وخارجاً تملأ رؤوسها بوهم المعارضة للوصول إلى سلطة تكون هي المتحكمة بها على مدار ساعات الزمن، هياكل ورقية سياسية
فشل المشروع الأمريكي في سورية، أخذها لإصدار قرارات طائشة، تودي بظنها لإشعال حروب ناعمة، تأخذها ومستنسخي ابن نوح إلى ركن شديد، لكنها الهاوية حيث الطوفان وأتون نار تأتي من نوافذ وسيعة، تُفتح عليها ودول الاستعمار القديم فيخيب إدمانها الأمل باحتلال جديد، لاعسكرياً ولا ثقافياً، لا اقتصادياً ولا حتى سلوكياً.
هل آن أوان الإبحار في سفينة نوح نحو الجولان وفلسطين، لمحو تواقيع ترامب فنحق حق العودة ونحافظ على قوميتنا التي ضمنها عشق الوطنية المعمدة بالدم حيث ينمو كبرياء وعطاء العرب، حفاظاً على حق الصديق والأخ، أسئلة عميقة وفاصلة..
هل من مجيب؟.. كل عام والوطن ونيسان البعث القادر على الإجابة بتفاصيل دقيقة جامعة، وجماهيره وأصدقاؤه ومحبوه والمؤمنون بِمُثُلِهِ ومفرداته الوطنية والقومية بألف تماسكٍ، سيراً نحو النصر لأنه مفتاح الخير.. كل الخير.. طبتم وطاب الوطن.
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 11-4-2019
رقم العدد : 16954