في مثل هذا اليوم الأغر من تاريخ سورية يكون قد مضى على الجلاء ثلاثة وسبعون عاماً… سبعة عقود من الزمن ولكن ماذا تحمل في طياتها وثناياها، وكيف حال المرء على تخومها وماذا في الجعبة… أترانا نقرأ ما جرى وكان ويجري الآن بمعزل عن حركة التاريخ؟
والسوريون هم صنَّاعه الأكثر بهاء وقدرة على تغيير مجراه… يوم دخل غورو مغتصباً ظن أنه لن يبرح المنطقة.
تقدمه جيش من الرعب كما توهم ولكن عند روابي ميسلون كان الجنود السوريون بالصدور يكسرون أسطورته ووهمه… جحافل جيشه منيت بشر هزيمة معنوية لم تستطع أن تهنأ ساعة واحدة على الأرض السورية.
من الساحل إلى الداخل من ثورة صالح العلي إلى جبل الزاوية ودير الزور والأشمر وسلطان باشا الأطرش اشتعلت الأرض تحت أقدام المحتل وكانت ولم تزل ندية بهية من طهر دماء الشهداء وأبطال السادس من أيار الذين استعذبوا الموت من أجل الكرامة وهم من أوقد شعلة الفكر وكانوا قناديل اليقظة العربية.
ستة وعشرون عاماً من الاحتلال الفرنسي المر بكل شيء لكنه كان عاجزاً عن القدرة على فرض سياسة الفرنسة أو تطويع من اعتاد الحرية والكرامة.. بالبطولات والفداء كانت ثمار الجلاء.
وكانت اليد السورية الحانية تمتد بالوقت نفسه إلى فلسطين تبلسم الجراح، تمد الشعب الشقيق بكل أسباب القوة والعطاء.
ولم يمض على الجلاء عامان حتى كان الجيش السوري يخوض أعنف المعارك من أجل فلسطين ويمد الجزائر بكل ما يستطيع ويعمل من أجل غد مشرق.. الجلاء ليس فعلاً مضى وانتهى، فما من يوم إلا ويسطر مجداً جديداً يسمو نحو آفاق أكثر عمقاً وتجذراً، ولأنه فعل مقاومة لم يهدأ التآمر عليه فسورية المنيعة القوية المحصنة هي حجر الأساس في حركة التحرر العربية والعالمية.
وكل ما يجري من اعتداءات وتآمر عليها غايته الوصول إلى اغتيال الدور والتاريخ وإطفاء جذوة اتقدت وعجزت عواتي الدهر عنها فكيف لمحتل عابر أن يصل إلى مبتغاه.
اليوم ونحن نصنع الجلاء الأكبر نعرف أن الدرب ليس سهلاً ولا يمكن للعدو أن يستسلم هكذا بسهولة بل يعمل على تجديد أدواته ووسائله مستغلاً كل ما يمكنه من تحقيق أهدافه.. فهو المهيمن على قرارات الأمم المتحدة ومؤسسات الإعلام وهو المحرك لقوى العدوان والضغط الاقتصادي والاجتماعي.
وقد جرب ذلك كله على سورية ولكنه عجز عن النيل منها كما عجزت أدواته… صحيح أن المنعطفات كانت كبيرة وصعبة وتركت آثاراً لكنها بالمحصلة ستزول وتنتهي وتمضي وكما عبرنا تجارب نضالية كثيرة وبثبات اليقين سيكون الأمر.
من الجولان إلى الجنوب إلى كل بقعة سورية فعل النصر حكاية سورية والفداء هو التاريخ الحق الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بالنصر..
الجلاء الأكبر يرسم دربه وخطواته وثماره ليست لسورية وحدها إنما للعالم الحر الذي يعرف أن النصر السوري هو مسار فجر نقي للعالم كله، والجلاء اجتراح البطولات التي تنبض بكل نبض سوري.
دائرة الثقافة
التاريخ: الأربعاء 17-4-2019
رقم العدد : 16959
