المعادلـــــة السوريــــــة والفضــــــاء الوطنــــي

في القرارات السياسية الحكيمة تظهر دوماً الحاجة لفهم عوامل الوجود الداخلي القوي للدولة الوطنية، وكذلك تظهر معها عناصر الضعف في المسألة نفسها ما يستلزم إعادة إنتاج متواصلة لكل ما استرخى، أو لم يرسم له الدور المطلوب في الحياة الوطنية حيث إن الفجوة بين الركود السياسي والرّتابة، وبين الدّيناميّة الخلّاقة يجب أن تتقلص حتى تزول الأولى لمصلحة استقواء الثانية.
وبهذا فالمعادلة السورية ليست معطى مادياً، ومعنوياً يُنجزُ لمرّة واحدة ويمتلك مفاعلاته الذاتية بدون تراجع، أو توقّف بمقدار ما هي تجاذب مستمر بين القوى الحية صانعة القرار الوطني في الدولة، والشعب بآلية تفاعلية مستديمة الخلق، واجتراح المخارج، وتنضيد الفضاء الوطني على مستوى مهام المواجهة المطلوبة إن كانت في الرّد على التّحديات الدّاخليّة من تدبير شؤون النّاس والحرص على مستوياتهم المعيشية في الوطن الذي يخوض حروبه العادلة، أو كانت في الرّد على التّدخّل الخارجي الداعم للإرهاب الدّولي، والعامل بكل ما لديه من قوى على أن لا تقوى المعادلة الوطنية الداخلية بما يوقف المجال السياسي والعسكري لهذا التدخل الخارج عن القانون الدولي.
وثمّة ما يستدعي النظر المشترك على الصعيد الوطني حيث تكون المعارك مركّبة، والأعداء المتحالفون علينا كثر؛ وخاصة حين تكون معاركنا الداخلية ضد الإرهاب وتبعات الحصار، والسبرانيا، والفساد تشاغلنا طيلة الوقت حتى لو وضعنا لها الأرصدة الداخلية المطلوبة من منظور أن الحرب الإمبريالية علينا في سورية هي حرب ضد السيادة، ووحدة الدولة الوطنية أرضاً، وشعباً، وتقع ضمن خرائط التفكيك الدولي للجغرافية الإقليمية خدمة للمشروع الصهيوأميركي الساعي دوماً أن يكون خلل الميزان الدولي في العلاقات الدولية لصالحه، ولو مارس كامل طاقاته في خطاب القوة، وغطرسة التعامل مع الأمم المختلفة.
فالمعركة العالمية الخارجية هي على السيادة في المجال الدولي وانعكاساتها على توسيع فضاء السيطرة والنفوذ الدوليين وصولاً إلى الانفراد بالإدارة العالمية، ومواصلة لعب دور شرطي العالم، وهذا هو شأن الجيواستراتيجية الأمروصهيونية، وبالمقابل نجد القوى المواجهة لهذا المنهج من الاستكبار الدولي التي تتمظهر في منظومة البريكس حريصة على وقف توتير الحالة الدولية، والاحتكام إلى نصوص القانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة في حل النزاعات العالمية.
وفي مثل هكذا واقع دولي ليس سهلاً أن تُصاغ أشكال التحالف مع القوى الصديقة، والمشتركة معنا في مواجهة مطامع العدو الواحد، أو خطاب القوة الغاشمة على الصعيد العالمي لا سيما إذا اقتضى الحال دخول معارك مشتركة ضد العدو الذي يمارس سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، وبناءً عليه سيكون الفضاء الوطني هو الأولى بالنظر والمراجعة والتحريك حتى يتصلّب عود الوطن، وتتعزّز المناعة الوطنية في مواجهة المعارك الأربع الآنفة الذكر والتي شدّد عليها السيد الرئيس بشار الأسد في أكثر من كلمة له أو حوار سياسي. ومن الطبيعي أن لا نستغرب الاعتداءات الصهيونية على سورية طالما أن عناصر النصر الميداني تتوافر يوماً بعد يوم، وأن سقوط المشروع الإرهابي في الحرب على سورية في ربع الساعة الأخيرة، وأن قانون الاعتماد على الذات تدرّب عليه السوريون ويُفشل أهداف الحصار الأمروصهيوني لبلدنا، وأن قوة الرّدع لمطامع العدوّ الصهيوني موجودة لدى جيشنا الباسل.
نعم إن وجود عوامل القوة الداخلية هذه من شأنها أن تزعزع المجال الحيوي الذي يدّعيه كيان العدوان الصهيوني، ولذلك نراه مسعوراً لاختبار منظومات الردع عند جيشنا، وإن لم يتمكن، يفترض -ولو إعلامياً- أن خلل التوازن العسكري ما زال في مصلحته، ولصالحه، ومن المعروف عن الغطرسة الصهيوأميركية أنها لا تستفيد من دروسها مع سورية عبر الحروب التي تمّتْ، وما يربك الجيواستراتيجيا لأميركا، ولكيان العدوان هو صلابة العوامل الداخلية لسورية ولو كانت من وجهة نظرنا نحن السوريين تحتاج إلى مزيد من التّصليب.
ووفقاً لما هو الحال عليه لم تستطع إسرائيل أن تفرض المجال السياسي، والأمني الذي تدّعيه فالمعضلة السورية لن تمرّر صفقة القرن الترامبيّة، لذا بدأ ترامب اللعبة بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ليواجه رفض العالم، وعدم اعتراف حلفائه الأوروبيين بإعلانه هذا، وما خلقه تهوّر ترامب جعل المعادلة الدولية التي تمّ تركيبها ضد سورية تتداعى لمصلحة سورية. كما جعل صفقة القرن تواجه جدار الصّدّ الإقليمي والدولي قبل الإعلان الرسمي عنها، وجعل السياسة الأميركية في مجلس الأمن أمام حرجٍ كبير، إذ كيف تقف أميركا عبر القرارات الخاصة بسورية الصادرة عن مجلس الأمن بوحدة أراضي الدولة السورية، وتقوم بالقرار المرفوض حول الجولان؟ فالقرار أخرجها -أي لأميركا- من خانة الشّريك النّزيه في الحل السياسي الوطني السيادي لسورية، وجعلها مع إسرائيل كيان العدوان طرفين خارجين عن الإجماع الدولي، وداعمين للإرهاب الذي أصبح مهدداً لأمن العالم.
وإذا ما زدنا على ارتباك أميركا غطرسة أردوغان في شمال سورية، وشرق الفرات، وكيف تقف أميركا أيضاً مع نزعات الانفصال، وتفتيت الجغرافيا الوطنية لتوصلنا إلى أن النتائج الأميركية ستكون كارثية على أميركا نفسها أولاً مع أنها تحاول زجّ حلفائها الأوروبيين في تورّطها، ومعلوم أن الكتيبة البريطانية في التّنف قد احتضنت أكثر من أربعمئة إرهابي لتعيد تدويرهم في استثماراتها للإرهابيين في سورية، وغيرها، وقد صار مكشوفاً أن حلف العدوان الإرهابي على سورية يراهن على عدم تقوية المعادلة الداخلية السورية من خلال تدخله المباشر على أرضها، ومن خلال منعها أن تحسم الحال في إدلب، ومن خلال حربها الاقتصادية علينا، والسبرانية كذلك، ولما هو الحال عليه فإن التركيز عل الفضاء الداخلي لبلدنا، وإقامة الحوارات الوطنية فيه عبر المؤتمرات الوطنية التي تمتّن خيوط الشبكة الوطنية للعمل المشترك من خلال تحديد المعارك، وعناصر المواجهة، وبرامج الكفاح المشترك حتى تبقى المعادلة السورية الداخلية ممسكة بالسيادة، وصاحبة القرار الأخير في كلّ تحوّل طالما أن حلف العدوان يعمل جاهداً على عدم تصليب المعادلة الداخلية الوطنية، وعدم ترك سورية قادرة على تجديدها، وإعادة إنتاجها ليكون الحل السياسي آتياً من الخارج، ومفروضاً على قواعد العمل الوطني في الدّاخل، وهذا ما لا يمكن لنا قبوله.

د.فايز عز الدين
التاريخ: الثلاثاء 23-4-2019
الرقم: 16962

 

 

 

 

آخر الأخبار
المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد" ليست للفقراء فقط.. "البالة" أسعار تناسب الجميع وبسطاتها تفترش أرصفة طرطوس