ما زلنا محكومين بالمشروع الغربي الصهيوني الإرهابي، فيما ينتابنا الآن من معاناة ومن تحديات لن تكون الأكبر والأدوم بالتأكيد، وكل متابع من الخارج أو من الداخل يدرك بأن الحرب على سورية ما زال لها أشلاء وذيول، وهذا هو المقطع الأخطر في هذا العدوان، لأنه بالنسبة للقوى المعادية هو خط النهاية، ولا بد عند مشارف هذا الخط أن يستنفروا كل جهودهم وأن يستخرجوا خبرتهم العدوانية العاتية في الحرب على هذا الوطن، والقاعدة تؤكد بأن الحرب الاقتصادية ومعها الحصار وإعادة إنتاج الأشلاء الإرهابية كل ذلك يصطنع في هذه الأيام أقسى عوامله وأخس سلوكياته، والمسألة ببساطة هي العداء لسورية لسببين أما الأول منهما فهو هذا الهلع الذي أحدثته التحولات الكبرى الكمية والنوعية التي أنجزها هذا الوطن وأدت إلى انهيار واندحار قوى الإرهاب بكل مسمياته والقوى الدولية الحاضنة لهذا الإرهاب، إن هذا السبب هو عامل مؤرق ليس بانعكاسات ما أنتجه الوطن السوري فحسب ولكن بالتداعيات التي يتحرك إليها المشهد بكامله، والتداعيات هي احتمالات واقعية وليست مجرد تقديرات افتراضية، والمشاهد التي سوف تستقر عليها هذه الاحتمالات هي نهائية وجذرية وفي أصولها تتأكد هزيمة قوى العدوان وتستدرج حالة النهوض كل المقادير ومصادر القوة للبدء باستكمال المشروع الوطني السوري، ولا سيما عبر استعادة لواء اسكندرون السليب والجولان المحتل، وهذا ما تخشاه قوى التأسيس والرعاية للإرهاب، وهذا سبب كاف لبناء حالة الشعور بالخطر عند القوى المعتدية، ذلك أن هذه القوى لن تنهزم فحسب ولن يتلاشى مشروعها الإرهابي فحسب ولكن ما هو قادم سوف يكون بنيوياً وتجتاح تأثيراته الواقع العربي والواقع العالمي الذي ما زال مضطرباً حتى الآن، ويدرسون هذا السبب بكل ما توضع في عمقه وعلى مساراته، ويدركون بأن القوة التي صنعت التحولات في الوطن السوري ما زالت في أوج استعدادها لإنجاز تحولات متوالية تأتي من خلال استيعاب ما هو كائن إلى ما يجب أن يكون، والطريق سهلة وصعبة في آن واحد، أما السهولة فيها فهي أنها معروفة ومألوفة وهي في مقطع الإيمان والخبرة في كل الحالة الوطنية السورية، سواء في أداء القوات المسلحة أم في الحاضنة الشعبية السورية أم في منهج القيادة التي يمثلها بكل هذه الحكمة والصبر الرئيس القائد بشار الأسد، وبالتأكيد فإن المدَّ عبر هذا السبب لن يتوقف ولن ينكفىء وهو مؤهل بل هو مؤهب فكرياً وعملياً للانطلاق باتجاه مواعيد أخرى وأطوار أخرى في السلسلة الحية التي ما زال الوطن السوري مبنياً فيها وكفيلاً بتلبية حاجاتها.
وأما السبب الثاني الذي يؤكد أن المشروع العدواني على سورية لا يزال قائماً ويحاول أن يتحرك باعتماد درجة الحقد لدى القوى المعادية من جهة، وتحديد الثغرات والنقاط الرخوة من داخل الوطن السوري، ونحن نعلم أن المنهج الغرائزي صار جزءاً من تيار العدوان في التسلل من الخارج إلى الداخل، وهنا تنبعث الحقائق الثابتة التي بني فيها الوطن السوري منذ قديم الأزمان وحتى الآن، وأساسها هو المقدرة على خاصية الصبر وإنتاج الصحوة بعد الكبوة، والانبعاث في ظل الشهادة والشهداء، والصبر على الحصار، وخبرة هذا الوطن التاريخية باستيعاب كل المخاطر والبحث عن حالة إعادة إنتاج الوطن السوري، والأعداء يعلمون كما نعلم نحن تماماً بأن هذا الوطن يتعرض للعدوان من الخارج، ويجد المعتدون منافذ لهم للتسلل إلى الداخل ويستطيع المستعمرون أن يعثروا على نماذج لئيمة يمكن استئجار سواعدها وألسنتها لصالح المشروع المعادي، ولكن ذلك كله لن يغير من طبيعة البناء الوطني السوري ومعدلات الأداء الوطني السوري. إن هذين السببين باجتماعهما يحيطان بهذه اللحظة وإذا كان لدى الآخرين هذا المدى في التمادي وفي نزعة سفك الدم وتدمير الحياة وقد اهتدوا الآن إلى إضافة عنصر التجويع كما يقدرون فإن الموقف الوطني السوري لا بد له أن يستوعب حقيقتين اثنيتين، الأولى منهما تتمثل في استنهاض قيم الوطن وإحياء ذاكرته والعمل بموجب حقائق التاريخ وموروث الآباء والأجداد والجميع يعلم أن العدوان على وطننا أخذ صيغاً أعمق بكثير وأخطر بكثير مما ينتابنا الآن وكان هذا الوطن يقع في سياق ما قاله الشاعر بقوله.. من نضال عاثر مصطخب لنضال عاثر مصطخب، وللعلم فإن الوطن السوري ليس جغرافيا على أطراف العالم بكل قواه وتقلباته، إنه في العمق وفي الجوهر وبناء على حالته تتحدد مسارات كبرى وعميقة، والحقيقة الثانية التي يجب استيعابها إنما هي هذه التوجهات الكبرى والمستمرة في منحى الحفاظ على موجودات الوطن ولا سيما التاريخية والمادية والواقعية، وكذلك في إطار منع التعديات على الموقف الوطني من أن يقتنصه الفاسدون وتجار الأزمات والباحثون عن الأرصدة الحرام والمنجذبون للمظاهر المادية الخادعة والقاتلة، إن هذا المنسوب لا بد من التنبه إليه، إذ لا يعقل أن يتكون الوطن السوري من الشهداء ومن الصابرين وأن تترك بعض الثغرات للفاسدين أو الخانعين أو الذين يتربعون في العتمة والزوايا لكي يلتحقوا بعد ذلك في مآل الوطن.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الثلاثاء 23-4-2019
الرقم: 16962