أثبتت التوجهات الحكومية صحتها بالتغلّب على أزمة البنزين، ولا سيما عبر تلك الإجراءات التي تدرّجت وزارة النفط باتخاذها، حتى تمكّنت بالفعل من السيطرة على الوضع بشكلٍ لم يعد خافياً على أحد.
صحيحٌ أن تلك الإجراءات بدت قاسية – ولا سيما للوهلة الأولى – عندما تمّ حصر توزيع البنزين على البطاقة الذكية، وبكمياتٍ وأوقاتٍ محدّدة، ولكن وزارة النفط استطاعت بالفعل أن تلعب بكفاءة عالية على مسألة الوقت والكميات، دون أن تلجأ إطلاقاً إلى قطع المادّة وإيقاف التوزيع، ففي بداية الازدحام أُتيح للسيارات تعبئة 40 ليتراً يومياً، وكان من المفترض أن من يضع هذه الكمية في سيارته أن ينكفئ عن محطات الوقود نحو عشرة أيام، أو أسبوع على الأقل إنْ لم يكن مضطراً للسفر البعيد، ولكن هذا لم يحصل، وبدا أن الكل منهمك في الحرص على جعل سياراتهم مليئة، فبقي الازدحام شديداً، وكان لا بدّ من تخفيف تواجد السيارات على محطات الوقود بطريقةٍ ما، ولا سبيل إلى ذلك إلا بوليسيّاً أو تقنياً، فاختارت وزارة النفط الحل التقني، وساعد بذلك فعلاً وجود البطاقة الذكية، وكان الحل بتخفيض الكمية اليومية إلى عشرين ليتراً، ولكن هذا الإجراء لم يؤثر على الازدحام، إذ تابع الجميع يومياً التوجه إلى محطات الوقود لتعبئة العشرين ليتراً، فالناس لم تستطع أن تستوعب ما يجري، واستمرت حالة القلق، والخوف من احتياج قادمٍ للوقود في وقتٍ ربما لا يكون متوفراً، وبهذه الحالة استمرّ الازدحام أيضاً، فانتقلت الوزارة إلى حلّ تقني أكثر صرامة، استطاعت من خلاله إبعاد السيارات عن المحطات بمقدار النصف يومياً، وذلك باتخاذ قرار أعلنت بأنه مؤقت، لا يحق للسيارات تعبئة العشرين ليتراً إلا كل يومين، ومع هذا استمر الازدحام، إذ صارت كل سيارة تأتي كل يومين إلى محطات الوقود سواء احتاجت للبنزين أم لم تكن محتاجة، لتصل الوزارة إلى القرار الأكثر تأثيراً، وهو تعبئة عشرين ليتراً كل خمسة أيام، وترافق هذا مع قيامها بالإعلان عن افتتاح محطات متنقّلة يمكن لكل سيارة أن تتزوّد من خلالها بالوقود، وبالكمية المطلوبة، ومن دون بطاقة ذكية، ولكن بالسعر العالمي.
هنا بدأت حالة الازدحام تخفّ شيئاً فشيئاً، فمن تزوّد بالوقود اليوم لا يحق له التوجه إلى المحطات إلا بعد خمسة أيام، ومن يحتاج للوقود بشكلٍ ضروري فعلاً وبما يزيد عن مخصصاته فها هي محطات الوقود الحرة جاهزة وتستقبل الجميع.
تمكنت وزارة النفط هكذا من الانتصار على الأزمة فعلياً، وفي الحقيقة كان بإمكاننا كمواطنين أن نساهم مع الوزارة في التخفيف من الأزمة لو أنّ من يمتلك سيارة كان هادئاً قليلاً، ولا يقصد محطات الوقود إلاّ عند الحاجة.
على كل حال هذا ما حصل، وبقي علينا أن نكون استفدنا من الأزمة، وأدركنا أنّ الاندفاعات عندما لا نكون بحاجة فعلية للمادة، تنعكس علينا سلبياً، وبلا فائدة، ومن الأفضل ألا نستسهل هذا الأمر، ولا سيما أننا في حرب اقتصادية حقيقية، ليس فقط لم تنتهِ بعد، وإنما سوف تشتدّ علينا، كلما حققنا خطوة عسكرية نحو الأمام، ونحن ذاهبون إلى تحقيق المزيد من الانتصارات، فأعداء سورية يتربصون فعلياً، والأزمة ربما تعود هكذا وأكثر، والأفضل للجميع وللبلد فعلياً أن نكون يداً واحدة، وعلى قلب رجلٍ واحد، نتكاتف مع بعضنا، ونكون عوناً للدولة، بصبرنا وتفهّمنا لما يجري، لا عبئاً عليها.
علي محمود جديد
التاريخ: الأثنين 29-4-2019
رقم العدد : 16966