الملحق الثقافي..عمار النعمة:
لم يكن المجتمع السوري في يوم من الأيام خارج فعل الحضارة والمحبة والعطاء, فالمحبة هي التي تعطي الإنسان إنسانيته وتسمو به, وكم هو جميل أن نقرأ تجارب كبار كتابنا ومفكرينا في صنع المحبة والحب, ومن هؤلاء الكاتب كمال راغب الجابي مؤلف كتاب (حكايات الفصول الأربعة) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ب 528صفحة من القطع الكبير .
يتناول الجابي في حكاياته الهم الاجتماعي والوطني والعاطفي والوجداني مستعرضاً في جزء منها المرحلة التي عاشها في ألمانيا للدراسة ليرصد الحياة الأوروبية والقيم الغربية في موازاة الحياة الشرقية وقيمها .
كما يرصد الحياة الإنسانية بالمجمل ومعاناة الإنسان البسيط المتمسك بالقيم , إضافة إلى الهم العاطفي والوجداني الذي كان الشاغل الرئيسي لمعظم القصص .
وجاء بقلم الدكتور علي القيم في المقدمة أن المهندس الجابي كان في كل ماقدّم وألقى يتماهى مع الفكر وفضاءاته, ويلقي حكاياته الشيقة بطريقة مميزة, تحمل الكثير من دقة المعلومة, وتتميز بسرد جميل ولغة سلسة, متأنية صبورة, فيها الكثير من الخواطر والأفكار النيرة, والأقاصيص الجميلة .
ويلفت القيم إلى أن الحكايات منبثقة من بعضها تعطي للحياة طابعها وخصوصيتها, بشكل يمكن اعتبار كل منها فصلاً من فصول مسرحية اجتماعية اقتصادية سياسية فكرية تدور أحداثها خلف كواليس الحياة وهمومها, وقام بإعطاء كل حكاية منها عنواناً خاصاً يميزها عن غيرها ويبين فحواها ومضمونها ويمدها باستقلالية تجعل منها حدثاً قائماً بذاته .
وتحت عنوان (نظريات في الحب ونظرات إلى المحبة) يتحدث الراحل الجابي عن «الحب» الكلمة السحرية التي تتألف إضافة إلى أداة التعريف من حرفين, أولهما يخرج من أسفل الحلق وكأنه ينضح ما في الأعماق بشكل مشابه لما يؤديه في كلمات حَر وحلو وحام وحان , والثاني: ينطلق من ضم الشفتين وانفراجهما, وكأنه يريد أن ينفلت وينفلش ليبلغ معبّداً الدروب أمام القلوب لإزالة الكروب ونثر الطيوب … ويشير أن مدلول هذه الكلمة ذو علاقة وثيقة بالروح لأن الروح بحكم نَفخ القوة الإلهية فيها لغز الخلق, ورِكزُ الوجود, وحِرزُ الإنسان وحَوزُهُ في آن معاً .
أما في فصله (الحب والحياة) فيرى الجابي أن الحب يعود ليلقي بظلاله على مسارات حياتنا, وليخيم بعرائشه على مداراتها لمدة يوم واحد هارب مع ليلته غارق في وحدته بالشكل نفسه الذي فرّت قبله أيامُ ولياليها, وتتالت فيه أعوام وعقودها وتتابعت معه قرون وعشراتها, إلى أن أوصلت من يشهده إلى شرفات ألفيةٍ ثالثةٍ مقبلة ليطل منها على نهايات ألفيةٍ ثانيةٍ مدبرة .
ويتابع المهندس الجابي حديثه حول الحب في فصل (الحب وفصوله الأربعة) ليخبرنا أن الحب هو الحاكم الحالم, العادل الظالم, المعذّب المستعذب, الكامن كمنونَ النار في الحجر, المولدُ للقوة والمثير للجرأة والمبدد للضجر, الباعث للانسجام الهادئ مع الحق والخير والصفاء, العابث ببذور البُطل والشر والبغضاء, المبعثر لها والحائل بينها وبين إمكانية التجمع وإعادة الالتقاء.
ويضيف هذا الإكسير العجيب الذي أوله نظر, وثانيه تقارب وجهات النظر, والذي يمزج بين ثنائية الروح والجسد, وازدواجية الثمل والصحو وتبادلية الحلم واليقظة ليشكل مِلح الوجود وغذاءه, وسكره ودواه, وهواءه وماءه, والذي إذا قدحه الناس أورى, وإن تقادحوا به تلاشى وتوارى, وإن أهملوه أمسى أساس حياتهم واهياً, وكأنه قائم على هيكل وجراح , وإن فقدوه أضحى قوامها رخواً تتناهبه العواصف وتتقاذفه الأمواج .
في الختام يمكن القول أن ماقدمه الراحل كمال راغب الجابي في كتابه (حكايات الفصول الأربعة) عبارة عن حكايات شيقة, لطيفة, سمحة, توشحت بالصدق والوفاء والعذوبة للحب والحياة والإنسان فوصلت دون جسر عبور إلى قلوبنا, ورفدت المكاتب برسائل ستصوغ الأحلام والأقلام للأجيال القادمة.
تاريخ: الثلاثاء30-4-2019
رقم العدد : 16967