تشن حكومة ماكرون هجوماً واسعاً على الحقوق الديمقراطية وحرية التعبير، فهي تستعد لمقاضاة الصحفيين الذين نددوا لتواطؤ فرنسا في الحرب السعودية غير المشروعة على اليمن، ولا تزال حكومة ماكرون تحاول طمس القضية.
يأتي إجراء الحكومة على أثر نشر تقرير في ١٥ نيسان ٢٠١٨ من المنظمة الصحفية ديسكلوز بالتعاون مع إنترسبت، راديو فرانس، ميديا بارت، آرت إنفو وكونبيني. يشمل التقرير وثيقة للأمن الداخلي موجهة للرئيس والوزراء في أيلول ٢٠١٨، بالإضافة إلى معلومات دقيقة حول استخدام الأسلحة الفرنسية على اليمن، ما يثبت أكاذيب حكومة ماكرون بعدم استخدام أسلحة فرنسية في الحرب اليمنية والتي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين.
في ٢٤ نيسان الماضي نشرت ديسكلوز وشركاؤها تصريحاً مشتركاً يشير إلى أن الحكومة الفرنسية استدعت مؤسسي الجهات الإعلامية التي شاركت في بث التقارير: جوفري ليفولسي ومتياس ديستال وأيضاً بينو كولومبيا من راديو فرانس للمثول أمام الشرطة للتحقيق معهم حول ما كشفته.
«لقد أدركنا أن التحقيق العام حول المساس بأسرار الدفاع الوطني قد فتحه مدعو باريس.
إدارة الأمن الداخلي قادت التحقيق، وفي إدانة لاعتداء حكومة ماكرون على الصحافة الحرة نوه تصريح ديسكلوز بالقول: «تشكل الوثائق السرية التي كشفتها ديسكلوز وشركاؤها أهمية عامة وهو لفت انتباه المواطنين وممثليهم إلى ما تريد الحكومة إخفاءه عنهم. هذه المعلومات ضرورية لإجراء نقاش متوازن حول عقود الأسلحة التي تربط فرنسا بالدول المتهمة بارتكاب جرائم حرب».
«الهدف الوحيد لهذه الإجراءات بحق الصحفيين هو معرفة مصدر معلوماتهم. في الواقع إدارة الأمن العام تعمل ما بوسعها لمعرفة المصدر الذي زود هؤلاء الصحفيين بالمعلومات».
«لنكن واضحين، يعتبر تحقيق الشرطة هذا هجوماً على حرية الصحافة، ما يفترض سرية مصادر معلومات الصحفيين.
تستفيد السلطة التنفيذية من شكوى بهذه الخطورة في فكرة «سرية الدفاع» لتوسيع مفهوم حماية مصالح الأمة بمسألة المعاملات التجارية مع الدول التي تمر بظروف حرب…»
حول هذا التساؤل:»هل يحق للفرنسيين معرفة ما يجري بخصوص بيع أسلحة تستخدم في ارتكاب جرائم حرب؟ الحكومة اختارت الإجابة بالتهديد».
أدان بيان وقع عليه ٣٦ عضواً من وسائل الإعلام الفرنسية تصرفات الحكومة منها الصحيفة اليومية لوموند. أكدت أن «أسرار الدفاع لا يمكن أن تتعارض مع حق المعلومة التي يمكن مناقشتها بشكل عام، وهي ليست لثني الصحفيين عن التحقيق والنشر».
تقرير المخابرات السرية الذي يشكل موضوع المعلومات المسربة لديسكلوز بعنوان: «اليمن الوضع الأمني»، حصل إيمانويل ماكرون على نسخة منه لحضور اجتماع مجلس الدفاع لتاريخ ٣ تشرين الأول ٢٠١٨، حيث حضر أيضاً وزير الخارجية جان- إيف لوريان ووزيرة القوات المسلحة فلورنس بارلي.
التقرير يقدم معلومات مفصلة حول موضع الأسلحة التي استخدمت على اليمن، ويؤكد أن قطع المدفعية ومدافع هاورتز التي قدمها الفرنسيون متمركزة على طول الحدود السعودية- اليمنية. تواجه أبراجها المدن والقرى المأهولة بمئات الآلاف من الناس.
وضحت ديسكلوز أن صور الأقمار الصناعية تؤكد أن التحالف السعودي استخدم المدفعية في هجومه. وأكدت ديسكلوز أن التحالف السعودي استخدم أيضاً المدفعية الفرنسية ومنظومتها الصاروخية الموجهة بالليزر للقصف في هذه الهجمات.
منذ عام ٢٠١٤ شن التحالف الذي تقوده السعودية حرباً على اليمن، وهي واحدة من أفقر الدول في العالم، وساعدت إدارتي أوباما وترامب وكذلك القوى الإمبريالية الأوروبية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا هذا التحالف. قتل في ذلك عشرات الآلاف من المدنيين، وبحدود ١٤ مليون شخص أي نصف السكان يواجهون المجاعة بسبب إغلاق السعودية الموانئ اليمنية لوقف إمدادات الغذاء والمساعدات الإنسانية.
يشير التقرير بوضوح أن أعمال فرنسا تتعارض مع القانون الدولي، ولاسيما أنها تتعارض مع المعاهدة الأوروبية لتجارة الأسلحة لعام ٢٠١٤ والتي تمنع الدولة بيع أسلحة حين معرفتها أنها ستستخدم في ارتكاب جرائم حرب، ما يشير إلى أن كبار المسؤولين في إدارة ماكرون قد انتهكوا القانون الأوروبي.
على حين رفضت الحكومة الإجابة على الحقائق حاولت بارلي التقليل من شأن الكشف مؤخراً، وقالت لإذاعة كلاسيك في ١٨ نيسان الماضي «حسب معرفتي، لا تستخدم هذه الأسلحة بطريقة هجومية في الحرب على اليمن.. على كل الأحوال لا أملك أي دليل لأقول: إن الأسلحة الفرنسية مصدر قتل الضحايا المدنيين في اليمن».
يجب رفض هذا الكلام المزري. في ٢٠ كانون أي بعد تلقي ماكرون التقرير السري بشهرين، صرحت باربي لراديو فرانس إنتر «إنها لا تعرف حقيقة أن الأسلحة الفرنسية تستخدم في هذه الحرب» وأضافت «مؤخراً لم نقم ببيع أي سلاح يمكن استخدامه في هذه الحرب».
وأشارت وكالة فرانس برس نقلاً عن مصدر موثوق إلى أن الحكومة الفرنسية اكتشفت تسرب التقرير في كانون الأول الماضي، وأمرت بإجراء تحقيق داخلي في ١٣ منه مع التمسك بأكاذيبها. مع ذلك في ١٨ نيسان أضافت بارلي بسخرية :»جميع جهودنا موجهة لإيقاف هذه الحرب وإيجاد حل سياسي لها.» منددة بما يمكن تسميته «الحرب القذرة».
حكومة ماكرون إزاء الكشف عن تواطئها في جرائم الحرب على اليمن أخذت تلاحق هؤلاء الذين وضحوا الأمور أمام الطبقة العاملة الفرنسية والدولية. أعمالها هي جزء من سحق الحقوق الديمقراطية وتتجه نحو أشكال استبدادية لحكم النخبة الرأسمالية في الدول الأوروبية والدولية.
هذا السلوك يجد صداه في اضطهاد ويكيليكس ومحررها جوليان أسانج وتشيلسي مانينغ، جريمتهم الوحيدة هي عملهم الشجاع بعرض إثباتات موثقة للجرائم الأميركية في العراق وافغانستان، والنشاطات الإجرامية الحكومات رأسمالية أخرى. وبسبب تآمر حكومات أستراليا، بريطانيا، أميركا الإكوادور أسانج اليوم في السجن ومهدداً بمحاكمة استثنائية غير قانونية في الولايات المتحدة، هناك يحاول الجلادون ومجرمو الحرب وضعه في السجن مدى الحياة وربما الأسوأ.
تؤكد سلوكيات حكومة ماكرون الصادرة عن الموقع الاشتراكي العالمي: أن اضطهاد أسانج ومانينغ هي سابقة، لنرى كيف يتم تجريم الصحافة وملاحقة من سلط الضوء على جرائم الحكومات.
تدعم جميع القوى الأوروبية عودة أسانج إلى الولايات المتحدة لأنها تخشى هي الأخرى من المعارضة الاجتماعية المتزايدة على أنظمتها من الطبقة العاملة.
موقع العالم الاشتراكي يستخدم هذا العام التجمع السنوي في ٤ أيار الجاري لتشكيل معارضة في وجه حركة الاضطهاد الموجهة لأسانج ومانينغ، ويربطون كفاحهم في الدفاع عن تشكيل حركة اشتراكية دولية للطبقة العاملة ضد الحرب، اللامساواة، اليمين المتطرف والنظام الرأسمالي..
بقلم: ويل موروو- عن: موندياليزاسيون
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الخميس 2-5-2019
الرقم: 16969