شهدت السنوات الماضية تغييرات متتالية في المناهج التعليمية، وهذه التغييرات تركز على الانتقال بالتربية والتعليم من منطق التلقين والشحن إلى منطق التعلم وتنمية الحس النقدي وبناء المشروع الشخصي، واكتساب اللغات والمعارف والتكنولوجيات، وبالتالي الانتقال من مقاربة ترتكز على المعلم والمعلمة وأدائهما، وعلى نقل المعرفة الجاهزة للمتعلم والمتعلمة، إلى مقاربة ترتكز على المتعلم والمتعلمة ونشاطاتهما وتنمية ذكائهما وقيمهما.
ما يعني أيضا أن ترتكز المناهج على الاهتمام بالمتعلمين والمتعلمات باعتبارهما غاية الفعل التربوي، وتشجيعهم على تنمية ثقافة الفضول الفكري وروح النقد والمبادرة والاجتهاد، والتفاعل معهم كشريك، وذلك بإدماجهم وتكليفهم في إطار العمل الجماعي، بمهام البحث والابتكار والمشاركة في التدبير، فقد أصبح الطلاب والطالبات اليوم ومنذ المرحلة الابتدائية مطالبين أن ينفذوا مشاريع في بيوتهم وفي الصفوف مع معلميهم ومعلماتهم وأقرانهم.
والسؤال هل رافق تلك التغييرات والتعديلات تدريب المعلمين والمعلمات، وتهيئة بيئة الصف؟ وهل يتفاعل جميع الأهالي مع هذا التغيير؟ وهل توقيت التغيير ملائم لجهة الحالة المعيشية لأغلب الطلاب، لأن لكل مشروع كلفة إضافية من أوراق وألوان وغيرها من الأدوات.
بالنسبة للتدريب، فقد بدأت الوزارة برنامجا تدريبيا قبل سنوات ليست قليلة، أي ما قبل الحرب، لكن ما فرضته ظروف الحرب، أضعف كثيرا من برامج التدريب لدرجة التوقف أحيانا، أما بيئة الصف فإن وجود العدد الكبير من الطلاب والطالبات في الصف والازدحام الذي سببه ولم يزل النزوح، مع وجود المقاعد الحالية يعيق حركة مجموعات العمل، ولا يوفر مساحة لعرض المشاريع. في نفس الوقت يشتكي الأهل من الكلفة الزائدة.
إن الصعوبات التي ذكرناها لا تعني المطالبة بالتراجع، ولكن تعني المطالبة بالمزيد من الدعم لهذا التغيير، وذلك بترتيب الأولويات حسب الحاجة الحالية، أي المزيد من المرونة، وقد يكون أحد أشكالها المزيد من التعاون بين المدرسة والأهل ومبادرات المجتمع المدني، والمبادرة الفردية من المعلمين والمعلمات.
فقد كان للشباب حضور حيوي وفاعل منذ اليوم الأول للحرب، وتشكلت الكثير من الفرق التطوعية والمبادرات، التي عملت في الإغاثة، وفي التعليم المسائي للمهجرين، هذه الفرق والمبادرات أخذت تطور عملها، فانتقلت إلى سبل العيش بدل الإغاثة وتوزيع الإعانات، أي أنها يمكن أن تكون موردا لوزارة التربية للعمل معا.
وهناك العديد من التجارب الناجحة التي يمكن البناء عليها، منها مثلا مبادرة «سيار» التي تعمل مع الأطفال بلا أهل، وينتشر عملها في العديد من المحافظات، التي يذهب متطوعوها إلى أماكن تواجد الأطفال في الحدائق والشوارع ثم يجمعونهم ليعلموهم ويعيدوا إدماجهم في المجتمع، وهناك أيضا مركز نحل مجتمعي في المزة 86، والذي يعمل على تنمية أطفال الحي ومشاركتهم هم في هذه التنمية عبر المزيد من المبادرات، كالدراسة الجماعية، وقراءة القصص، والمسرح التفاعلي، وفي حلب أيضا المزيد من المبادرات المشابهة.
ما نريد الوصول إليه أن النهوض بالعملية التعليمية وانجاح تجربة المناهج الجديدة يحتاج للاستفادة من جميع الموارد المتاحة وعناصر الرأسمال الاجتماعي الموجودة في المجتمع.
لينا ديوب
التاريخ: الخميس 2-5-2019
رقم العدد : 16969