تكثر الارشادات الصحية والوصفات الطبية ، وتنهال المواعظ والنصائح على رؤوس الأشهاد ممن لديهم القدرة على الصيام ، وكأننا في بازار اجتماعي يتنافس مع أسعار البورصة الاقتصادية حيث يصدح المشهد كل على ليل الصورة المتجددة التي تتغير كل ساعة حسب مزاج أهل الرأفة وأهل الطمع.
رمضان كريم عبارة نطيّب فيها مسامعنا ونحن نعايد بعضنا البعض بقدوم الشهر الفضيل ، ننفض عن أنفسنا ودواخلنا ولو على شكل أمنية ما تراكم من رغبات قسرية أطاحت بكثير مما تحمله جعبة شهر الخير من فرح وسرور وأمان روحي ، معنوي ومادي .
معادلة حياتية أخرجت من طورها تلك المشاعر و الأحاسيس لاسيما في السنوات العشر الأخيرة ، التي كان فيها فعل المحبة والغيرية والإيثار والشعور بوجع وفقر الآخر، يعتلي مقاسات التفكير بوجوب تقديم العون والمساعدة ،بعيدا عن الرياء والمفاخرة والحديث عما قدمت بعض الأيدي الغنية أو الميسورة لشريحة معدمي الحال والمحتاجين .
إن صمت العطاء أهم من العطاء ذاته طالما يحفظ ماء الوجه وحياء صاحبه ومن يرتبط معه في سلوكه وتعفف نفسه.
رمضان كريم بالتأكيد لا يحتاج إلى اختبار بل إلى اختيار السلوك الصحيح من أبناء المجتمع لممارسة طقوسه البسيطة البعيدة عن كل تعقيد في المأكل والمشرب والملبس وحسن الجيرة والجوار.
رمضان كريم يحتاج لترجمة أفعال الناس إيجابا على أرض الواقع وأن يتقي كل ربه فيما رزقه ،لا أن يسود الاستغلال وتتسع شهية الجشع ، ويبدأ السباق من قبل أصحاب المصالح والمصانع والمتاجر والدكاكين والمحلات المختلفة لملء مسارب الجيوب المتباينة في اتساعها وعمقها .
فضائل شهر الرحمة لا تقتصر على أيامه ولياليه وساعاته ،هو منهاج قدوة عمل، ،أدب وتربية وتعليم ،يمنحك صحوة ضمير حي وحصانة نفسية تدغدغ مشاعرك بألا تغش أحدا في سلعة أو مادة أو حتى كلمة .
أن تعزز الثقة بين جميع الأطراف وأن يكون فعل الخير جواز سفر في النفوس دائما ومؤسّسا و منافسا وحاضرا وسباقا للظهور..أن نبرز محاسن الأشياء التي نحتاجها ونتعامل معها،ونصلح ما فسد ونرمم ما تكسر وانكسر في عيون أبناء المجتمع.
أن تتطوع الارادة والمروءة لجبر الخواطر في كل بيت وحي وشارع ومدينة لتقديم ألوان الدعم المعنوي والنفسي والمادي علها تبلسم بعضا من أوجاع مزمنة تجاوزت حدود الألم وأصبحت عصية على الشفاء.
أن نحنو على طفولة باتت تمارس أعمالا وأشغالا أكبر من حجمها ووزنها في تبادل لأدوار غير متكافئة ضمن واقع مليء بالمتناقضات دون شفقة.
أن نجيد صناعة الأمل ونعرف كيف نسّرب طقوس الفرح والسرور إلى نفوس متهالكة أتعبها إعياء المنافقين وبائعي الوهم على رصيف الحياة السالكة والمعقدة.
أن نسوّق بضاعتنا الوطنية بالجودة المطلوبة والسعر المناسب والتشكيلة الملبية لجميع الأذواق ، وألا يتجاوز بعضنا القوانين ويبحث عن ثغرات للاختراق وتشويه قاعدة الضوابط المعتمدة.
ان نتحسس جيوب الفقراء وألا نزيدها قهرا وعوزا وحسرة جراء ارتفاع كاو ومجنون للأسعار التي تحلق في ظروف الفوضى ،طالما المنتفعون يعرفون كيف يتصيدون أسهم الحاجة مهما بلغت كلفة الدفع.
علينا أن نتكاتف ونتعاضد ونرمم علاقاتنا الإنسانية الطيبة التي فطرنا عليها داعين الله أن يبارك لنا في وطننا الذي يزهر حبا وعطاء دائما رغم المصائب والويلات التي حلت به وبنا..ولتكن جميع أيام وأشهر السنة،كأيام رمضان الكريمة ،الرحيمة اذا ما أردناها سلوكا ليومياتنا وحياتنا .
غصون سليمان
التاريخ: الجمعة 10-5-2019
الرقم: 16974