لدى متابعة الحلقات الأولى من مسلسل «ترجمان الأشواق» ومسلسل «عندما تشيخ الذئاب»، يمكن لك أن تلتقط شيئاً من تقارب محاور أساسية رسمتها شخصيات رئيسية تدير أبرز الأحداث، أو لعل الأحداث هي من يديرها ويوجّه مصيرها.
صحيح أن الفترة الزمنية تختلف بين العملين، فالأول يرصد الفترة الحالية بينما يعود الثاني لعقد التسعينيات من القرن الماضي.. لكن ذلك لا يغير مناخاً عاماً يسير وفقه الخط الفكري الذي يطبع العملين.
«الخط الفكري»..؟!
هل مازالت الدراما تُعنى بمثل هذا المحتوى الذي وسم فترة إنتاج كاملة برزت خلالها أهم الأعمال على الساحة المحلية..؟
سؤال.. يبدو غير مواكبٍ لنمطٍ درامي تشكّل في العشرية الزمنية الأخيرة، نمطٌ نما على هامش «الحرب».. وتمّ تصعيده تحت مسمّى «دراما مشتركة».. والأصح القول فيها «دراما هجينة».. تضيع فيها كل محاولة لتلمّس بعضٍ من أفكار «فكر» أصيلة وحقيقية.
يستند كل من عملي «ترجمان الأشواق» و»عندما تشيخ الذئاب»، لمرجعية فكرية طبعت كيفية رسم شخصيات كل منهما. فنحن أمام نماذج حياتية قادرة على فرد خصوصيتها، كما في شخصية «نجيب، عباس النوري» في «ترجمان الأشواق»، أو شخصية «جبران، عابد فهد» في العمل الآخر «عندما تشيخ الذئاب»، شخصية المثقف اليساري الذي تعرّض للسجن في مرحلة من مراحل حياته، ولم يزل مؤمناً بفكرٍ اعتنقه.. بينما عصفت قوة التغيير والانحراف في شخصيات أخرى من حولهما.
مساحاتٌ من تأملٍ وتفكيرٍ تتيحها هذه النماذج من الشخصيات، بات حضورها في درامانا قليلاً إن لم يكن نادراً.. لصالح الانغماس في نمط آخر من «الكركترات» التي أخذت تتسيد وفق منطق عمل عقلية إنتاجية.. تتذرّع بحجة التسويق والقدرة على الانتشار.. ولهذا يتم اختراع نصوص أول توصيف يقال فيها «مفبركة».. أو بأحسن الأحوال منقولة عن أصل غير عربي.
طزاجة القدرة على طرح «القيمي» يمكن لنا ممايزتها، بكلا العملين، لاسيما حين وضعهما ضمن مجموعة المسلسلات المعروضة حالياً، محلياً، وتلك المعنونة «مشتركة» وعلى وجه الخصوص «السورية- اللبنانية»..
قادرة هذه النوعية على فتح فجوة تساؤل في ذهن المتفرج..
خلق فضاء لنبش الساكن ما أمكن بأداة الدراما، فليست كلها لغاية الاستمتاع وفقط..
مع أن البعض يبرّر مستعيناً بمقولة «الفن للفن»، والتي يتمّ دفن الكثير من الأعمال في بوتقة تصانيف كثيرة تُدرج ضمنها..
على هذا النحو أصبحنا أسرى حكايا تُسرد على مسامع أبصارنا.. وهكذا يراد لنا أن نكون.
لكن من قال إن البصر لا يفترض أن يقتات على الجمال والمهارة في خلق تفاصيله..؟!
معظم الإنتاجات العربية/المشتركة تنهض على أساس جماليات الصورة وسرد حكاية جذابة بترفها البصري والعاطفي لا غير..
تحتشد هذه الحكايا بوجوه لأبطال الصف الأول، كما في أعمال اعتدنا على ثنائيات البطولة فيها مثل: «الهيبة- الحصاد»، «خمسة ونص»، «الكاتب».. وتدير ظهرها لأي غنى حواري أو فكري.. ما أمكن له أن يوجد في نوع فني كما الدراما المتلفزة..
هكذا تغدو نوعية تُعنى بنمو منطق فكري- حواري، من النمط الذي أخذ يشيخ.. لصالح نمو الآخر الهجين.. ومع الوقت نتعوّد الهجين فيغدو القريب، المطلوب، والمحبب.. وكله من صنع يدي رأس المال/المنتج الذي طبخ وهندس نموذجا دراميا على هوى مصالحه وحدها.
من أحدث اختراعات رأس المأل الذي يتصرف بمنطق التاجر، إنتاج جزء عاشر من باب الحارة، لا يشبه السلسلة المعروفة في شيء سوى حفاظه على الاسم.. وبالتالي مسخوا العمل أكثر مما كان ممسوخاً بأجزائه السابقة.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976