فلســــطين بــــــين التاريـــــخ العربـــــي والتزييــــف الصهيونــــي

قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول المعروف بمؤتمر بازل عام 1897م كانت الحركة الصهيونية في أوروبا تروّج لنظريات جديدة في أواسط ثمانينات القرن التاسع عشر مفادها أن استعمار فلسطين من قبل الصهاينة يجب أن يقوم على محاولات السيطرة المسلحة بدلاً من السيطرة المدنية، أو السلمية وقد نُقل عن المتبنّين لهذه النظريات أن اليوم الذي نبني فيه كتيبة يهودية واحدة هو اليوم الذي ستقوم فيه دولتنا. والمعروف أنه في أواسط عام 1880م قامت الحركة الصهيونية في أوروبا بتكوين مجموعة (عشّاق صهيون) وقد طالبت فيه هذه المجموعة بإقامة دولة خاصة باليهود. وقد رأى العديد من الصهاينة أن موقع هذه الدولة يجب أن يكون في مكان الدولة التاريخية اليهودية أي المنطقة التي تعرف باسم فلسطين، وحينها كانت فلسطين جزءاً من الدولة العثمانية تحظى بحكم محلي (ولاية) ومأهولة بالسكان الفلسطينيين العرب بنسبة أكثر من 92%؛ بينما كان القاطنون فيها من اليهود لا يزيدون على 8% واستمر حالهم على هذه النسبة حتى عام 1920م.
وقد لاقى المشروع الصهيوني منذ أن أعلن عنه الرفض الشعبي، والغضب العربي من الشخصيات السياسية المهمة آنذاك من بينهم مفتي القدس أمين الحسيني، وعز الدين القسّام، وعبد القادر الحسيني وزعماء سياسيون، ودينيون آخرون، وكان هذا الرفض التجسيد الأولي لبداية نشوء المقاومة الشعبية العربية للمشروع الصهيوني في فلسطين. ومن الغريب أن تتباين مواقف الحكام العرب والشخصيات السياسية في تعاملهم مع هذا المشروع فمنهم مَنْ جاهر بتأييد الفلسطينيين في رفضهم للمشروع الصهيوني المهدد لمصيرهم، ومنهم من التزم الصمت، ومنهم من مدّ يده لزعماء الحركة الصهيونية لكي ينال رضى الانتداب البريطاني. أما دول أوروبا فقد رحّبت بالمشروع الصهيوني في فلسطين وشرعت تقدم له الدعم المالي، والعسكري مثال: بريطانيا وفرنسا، وأميركا حيث رأى الغربيون أن دولةً على أرض فلسطين ستكون حامية لمصالحهم، وجيباً وظيفياً لهم، وقد سُمعت بهذا الخصوص دعوة نابوليون حين لم يستطع تجاوز أسوار عكّا. ومعروف في التاريخ أن الميثاق القومي العربي الذي تمّ بين قادة الجمعيات العربية في بلاد الشام والعراق قد أبرز قضية الاستقلال العربي عن العثمانيين وإنشاء دولة عربية متّحدة قوية، وفلسطين من ضمن المناطق المكوّنة لهذه الدولة. ومن خلال مراسلات حسين-مكماهون (1915م) كانت الحكومة البريطانية قد وعدت بالاعتراف باستقلال العرب مقابل اشتراكهم معها ضد تركيا في الحرب العالمية الأولى 1914-1918م. وفي 10/حزيران/1917م نقضت الحكومة البريطانية عهدها حين منعت رفع العلم العربي، علم الثورة العربية التي انطلقت في 10/5/1916 لكون بريطانيا قد صادقت على معاهدة سايكس-بيكو، ومن ثم أعلن وزير خارجيتها بلفور عن الوعد المشؤوم للصهاينة في السماح لهم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين تحت ذريعة أرض بلا شعب تُعطى لشعب بلا أرض، وهنا ظهر التزييف بأشنع صورة لعروبة فلسطين، وللوجود التاريخي لشعبها العربي على أرضه.
ولحظة شرعت عصبة الأمم بتوزيع الأراضي العربية وفقاً لقرار الانتداب تم توزيع الأراضي حسب اتفاقية سايكس-بيكو ليقع جزء كبير من فلسطين تحت الإدارة الدولية، ولاحقاً تقرر أن تكون هذه المنطقة التي عُرفت بفلسطين تحت الانتداب البريطاني حتى تتمكن بريطانيا من تنفيذ وعد بلفور، ولكي يخفف تشرشل من الحرج الذي أصاب البريطانيين، والفرنسيين بعد أن تم الكشف عن سايكس-بيكو واتضح غدر الأوروبيين للعرب الذين ساعدهم على دحر العثمانيين في الحرب حين أعلنوا عن وعد بلفور، في 2/11/1917م قام بتصدير كتابه المعروف الكتاب الأبيض حيث أوضح فيه بلهجة مخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين إلا أن محتوى سايكس-بيكو ظل سارياً وقد تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920م، وقد أقرّ بعدها مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24/5/1922م.
ومن المؤكد في التاريخ أن بريطانيا قد اضطلعت بالدور الكبير لكي توطد للسيطرة الصهيونية على أرض فلسطين وممارسة سياسة التعسف مع أهلها حتى يتم تهجيرهم منها لاحقاً، وقد استغلت الصهيونية تباين الموقف العربي كما قلنا ودأبت بتنفيذ مشروعها بالمساعدة البريطانية على أرض فلسطين، فارتكبت العصابات الصهيونية المجازر الكثيرة بحق الفلسطينيين ما أدى إلى انتفاضة عام 1929م، وعام 1936م إلى أن جاء قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين القرار المعروف برقم 181 لعام 1947م، وتسهيلاً لاحتلال فلسطين قامت بريطانيا بإنهاء انتدابها على فلسطين في 14 أيار 1948م فأعلن المجلس اليهودي قيام دولة الصهاينة على أرض فلسطين التي سمّوها أرض الميعاد افتراءً على الله، والبشر.
وحينها شكّلت الجامعة العربية جيش الإنقاذ لكي يطرد الصهاينة من فلسطين العربية لكن الحكام العرب الذين كانت الصهيونية وحلفاؤها الغربيون قد اتفقوا معهم على احتلال فلسطين قد أفشلوا مهمة هذا الجيش وبدأت نكبة فلسطين باحتلالها وخطاب بن غوريون لمستوطنيه في 15/5/1948م عن قيام كيانهم الغاصب، ومنذ النكبة والقرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين، والقرار 194 لعودة اللاجئين، والقضية الفلسطينية تشهد السجال المتواصل بين العرب الذين جعلوا من قضية فلسطين قضية مركزية لها بعدها القومي، وقومية المعركة من أجل تحريرها، وخاضوا الحروب من أجلها فكانت ذروتها حرب تشرين التحريرية 1973م التي قادها في سورية القائد المؤسس حافظ الأسد. ورفضوا بعدها مشاريع التسوية التي ما زال الغرب المتصهين يحاول فرضها على العرب وآخرها صفقة القرن الترامبية، وبين الأعراب الذين اتفقوا مع حاييم وايزمن قبل احتلال فلسطين وأثناءه، وبعد الاحتلال على عدم السماح لمؤسستي العمل العربي المشترك (الجامعة، والقمة العربية) باتخاذ المواقف القومية الموحدة لتحرير فلسطين وحين نستعرض تاريخ هؤلاء الأعراب تتضح لنا مباشرة سياساتهم التآمرية على القضايا العربية العادلة، وخدمتهم للمشروع الصهيوني وها هم ما زالوا وراء الحرب التي تؤكد سياساتهم التآمرية على القضايا العربية العادلة، وخدمتهم للمشروع الصهيوني وها هم ما زالوا وراء الحرب الإرهابية على سورية منذ العام 2011م حتى لا تنتصر قلعة العرب القومية، وتعود لتحشد الموقف العربي من جديد تحت الشعار ذاته قضية العرب المركزية، وقومية المعركة من أجل تحريرها وحسم قضية الصراع العربي ضد الصهيونية لصالح العرب، ولذا حين نستلهم اليوم ذكرى الــ 15 أيار واحتلال فلسطين يجب أن نعمل معاً على يقظة الضمير العربي الذي عمل الغرب المتصهين على عدم يقظته وما زال.

د: فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 13-5-2019
الرقم: 16976

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار