يشكل توفير الماء والغذاء والطاقة «ثلاثيةٌ مترابطةٌ» الركيزة الأساس لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمعٍ كان، خصوصاً وإن كانت تلك المصادر تعاني من ضغوطٍ كبيرةٍ فرضتها حربٌ إرهابيةٌ طويلةُ الأمد كالتي تتصدى لها سورية، ولما كانت الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة لتأمين مصادر الطاقة وتنشيط القطاع الزراعي لن تؤتي ثمارها إلّا بتحقيق الأمن المائي كان لا بدَّ من برنامج عمل استراتيجيٍّ يرتكز على تنمية الموارد المائية من مصادرها المختلفة ورفع كفاءة البنية التحتية للري والصرف الصحي، وترشيد استخدامات المياه عبر إعادة تفعيل المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث المتوقف منذ عام 2012 .
مدير المشروع المهندس يحيى محمد ثمّن الدعم الحكومي المقدم لإعادة إحياء هذا المشروع المتوقف منذ سبع سنوات خصوصاً في ظل التضرر الكامل الذي لحق بـ 70 ألف هكتار من المساحات المروية المحولة إلى الري الحديث بسبب أعمال التخريب الإرهابية والتناقص الكبير بكميات المياه المتاحة، مشيراً إلى أن تحويل المساحات المروية من الري التقليدي إلى الري الحديث سيوفّر 2.8 – 4 مليارات متر مكعب سنوياً ويقلل استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 35-55% مقارنة بطرق الري التقليدية، إضافة إلى التوفير في استهلاك الطاقة وتخفيض تكاليف الإنتاج وتحسين نوعيته وزيادة الدخل السنوي للفلاحين.
إعادة تفعيل المشروع وتخصيص ملياري ليرة قابلة للزيادة لتوفير متطلباته هو خطوة من سلسلة خطواتٍ تم البدء بها منذ سنتين من خلال صرف ما يقارب 220 مليار ليرة لتنفيذ عدد من المشاريع لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه واستكمال مشاريع الصرف الصحي وإقامة السدات والسدود وتأهيل شبكات الري المتضررة في المناطق المحررة بما يمكّن من توفير الموارد المائية اللازمة لمواكبة خطة الحكومة في زيادة المساحات المزروعة على مستوى القطر والاستفادة من الظروف المناخية الخيّرة، خصوصاً وأن الزراعة تستهلك ما يعادل 87% من الموارد المائية في سورية.
خطة عمل المشروع الإجمالية تتضمن بحسب مديره تحويل 1.2 مليون هكتار إلى الري الحديث بتكلفة تقديرية للدونم الواحد تبلغ حوالي120 ألف ليرة، عبر البدء كمرحلة أولية بتحويل المساحات المخصصة لزراعة القطن في محافظة حماة ومنطقة الغاب إلى الري الحديث لتوفير كميات المياه التي يتطلبها المحصول وتخفيض مساحة زراعة محصول القطن بشكل تدريجي بنفس نسبة الزيادة في الإنتاجية في حال استخدام التقنيات الزراعية وتقنيات الري الحديث.
وبين أنه سيستفيد من المشروع الفلاحون والمزارعون في مناطق الزراعة المروية في المحافظات ومشاريع الري الحكومية ومناطق الزراعة المروية للجمعيات الفلاحية وخاصة غير القادرين منهم على تركيب شبكات الري الحديث إضافة إلى المناطق المزروعة بمحاصيل متوافقة مع طرق الري الحديث.
اللجنة العليا للتحول إلى الري الحديث وخلال اجتماعها الأخير برئاسة المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء أقرت جملة خطواتٍ من شأنها توفير الدعم اللازم لهذا المشروع المهم عبر تقديم القروض للفلاحين بمدة سداد خمس سنوات مع فترة سماح لسنتين دون فوائد، وإعفاء الفلاحين المتعثرين من تسديد القروض القديمة من الفوائد والغرامات بما يمكنهم من الحصول على قروض جديدة، وتحديد مدة خمس سنوات لإحلال مشروع وحدات تحلية مياه الصرف الصحي وإنشاء معامل لتعبئة مياه الشرب والتوسع بهذه الصناعة في المحافظات التي تمتلك مقومات مائية ملائمة ودعم خطوط الإنتاج الحالية.
وعن محفزات الإقراض المقدّمة بيّن مدير صندوق تمويل المشروع الوطني للتحول للري الحديث سمير عودة أنه تم اقتراح مساهمة الصندوق بنسبة 60% من قيمة الشبكة على أن يسدد المستفيد 40 % من قيمة الشبكة نقداً، وبنسبة 50 % من قيمة الشبكة الممولة بالقرض على أن يسدد المستفيد 50 % من قيمة الشبكة بدون فائدة على دفعات نصف سنوية وعلى مدة خمس سنوات مع فترة سماح تمتد لسنتين.
وبما أن توفير مستلزمات التحوّل هو الأساس الذي ينطلق منه نجاح هذا المشروع وفي ظل العقوبات الاقتصادية الجائرة التي تعوق استيرادها أولى اجتماع اللجنة العليا اهتماماً خاصاً بتقديم كل أشكال الدعم للمعامل المتخصصة بمستلزمات الري الحديث للاستغناء قدر الإمكان عن استيرادها، خصوصاً بعد أن أثمرت الجهود الحثيثة التي بذلتها الدولة خلال العامين الماضيين على إعادة إقلاع قطاع الصناعة بمختلف مكوناته وتشغيل 14 معملاً لصناعة المستلزمات ليصبح إجمالي عدد المعامل التي تباشر الإنتاج حسب بيانات وزارة الصناعة 22 معملاً من أصل .
عودة أبدى تفاؤلاً كبيراً بإعادة إطلاق العمل بالقروض الممنوحة من الصندوق لتمويل تجهيزات ونفقات التحول بالتوازي مع إعادة إطلاق المعامل المتخصصة بتوفير المستلزمات، معتبراً أن ذلك سيؤمّن متطلبات المشروع اللوجستية والمادية بما يمكنه من تحقيق دوره في ترشيد استخدام المياه في الأنشطة الزراعية المروية والتقليل من الاعتماد على الزراعة البعلية وتخفيض التكاليف وزيادة المردود في وحدة المساحة إلى جانب تأمين الاستقرار لسكان الريف وتحسين مستوى معيشتهم، وقد بلغ عدد المستفيدين من قروض مشروع الري الحديث منذ إطلاقه حتى نهاية عام 2012 (8061) مستفيداً، والمبالغ المحولة للمصرف الزراعي كقروض للري الحديث 3.7 مليارات ليرة، والمساحة المحوّلة عن طريق المشروع 43000 هكتار، في حين بلغ إجمالي المساحة المحولة على مستوى القطر من خلال قروض المشروع أو بتمويل ذاتي من قبل الفلاحين 314000 هكتار.
وتوقّع عودة استفادة عدد كبير من الفلاحين من هذه القروض خلال العام الحالي، خصوصاً وأن الحكومة فتحت سقف التمويل المخصص للمشروع في حال احتاج ما يزيد على الملياري ليرة المخصصة له كتمويل مبدئي، وهو ما يعكس بشكل قطعي السعي الحكومي لتحقيق الأمن المائي انطلاقاً من إنشاء السدات والسدود وصولاً إلى تطبيق تقنيات الري الحديث على امتداد القطر، داعياً الفلاحين إلى الاستفادة من التسهيلات المقدمة لهم لجهة الحصول على القروض وإعفائهم من الفوائد المترتّبة عليها الأمر الذي سيسهم بشكل كبير في تحسين زراعاتهم وزيادة مدخولهم السنوي منها.
وأشار إلى أنه بعد تقديم الفلاحين الطلبات للحصول على شبكات ري حديث، يتم تدقيق الوثائق المطلوبة وإعداد الدراسة وإجراء المسح الحقلي وإعداد المخططات وتصميم الشبكة وتأمين مستلزماتها وفق التصميم المعتمد، ليتم بعدها تركيب الشبكة في حقل الفلاح وتدقيق المواصفات والتأكد من أداء التجهيزات المركبة في الحقل بعد الاستثمار والتشغيل وتدقيق الكميات.
دمشق – ماجد مخيبر
التاريخ: الأثنين 20-5-2019
رقم العدد : 16981