ملحق ثقافي- عقبة زيدان:
السرديات الكبرى هي تلك النصوص التي حرفت مجرى التاريخ الفكري الساكن بمعنى ما، وهي التي صنعت التاريخ ودمغته بدمغتها وشكلته بأفكارها الخاصة، بمعنى آخر. هذه النصوص امتلكت القدرة على صياغة عالم جديد، رغم قمعها من قبل كثيرين ومحاولة قتلها في زمنها، ومحاربتها في أزمان لاحقة. إنها ملونة بالتفرد والإبداع، وغير قابلة للموت، لأنها حقنت واقعنا بنسغها وأصبحت موجودة فينا.
لا يمكن أن نلغي الداروينية، لمجرد أننا نناهضها، فهي قد جعلت الفكر والأدب المعاصرين واللاحقين لها متأثرين بها، بل إن مدارس وتيارات وأعمال كبيرة قامت على الأساس الدارويني، وأضافت لبناتها الخاصة فوق هذا الأساس. صار هناك ما يسمى بالداروينية الاجتماعية والداروينية الجديدة، واعتبرت النظرية الداروينية في الاصطفاء أكثر النظريات قبولاً إلى اليوم.
وإذا نظرنا إلى السردية الكبرى الأخرى – أي الماركسية – فسنجد أن العالم، إلى هذه اللحظة، يستمد قدرته الجدلية في الصراع الطبقي على الفكر الماركسي، ذلك الفكر الذي أدان الرأسمالية في عقر دارها وعرى نفاقها وزيفها حول قيمة الإنسان واعتباره ذاتاً يتمحور حولها الوجود برمته.
هاتان سرديتان كبيرتان، وسمتا القرن التاسع عشر واستمرتا إلى اليوم بكامل وهجيهما، وكأن الفكرة ابنة اللحظة. ومهما حاولت قوى مضادة أن تقلل من شأنهما، إلا أنهما ستبقيان محورين من محاور الفكر عبر التاريخ البشري؛ إذ إن كل ما يعلي من شأن الإنسان، يتحول مع الزمن إلى فكرة خالدة، لا يمكن أن تموت.
التاريخ 21-5-2019
رقم العدد:16982