لكل فترة زمنية مظاهرها وما يروج بها.. كالصرعات، والتقليعات التي تسود قبل أن تموت وتختفي إلى الأبد، وكما الموضة التي تنتشر بين الناس والتي تصل ببعضهم حد الهوس.. سواء أكانت هذه الموضة في اللباس، أم في قصات الشعر الجديدة، أو المجنونة، أم في أي ملمح لمظاهر الحياة التي تعد حديثة في حينها. ومما يدعم هذه المظاهر، والتوجهات، ويعززها هو ما أصبح يقام من عروض، ومهرجانات للموضة تحتفي بها بعض المتاحف الفنية في الغرب، وهي تتبنى تصاميم استعراضية للأزياء المبتكرة والتي تعتمد على المبالغة، والغرائبية المثيرة للجدل، وتذهب في خطوطها بعيداً عن الأخرى التقليدية، ورغم هذا يظل هناك من نجوم الفن مَنْ يرتدونها على السجادة الحمراء، ويروجون لتصاميمها العجيبة الغريبة.
والناس عادة يتأثرون ببعضهم بعضاً، وقد يقلدون أحياناً دون أن يقيّموا ما يفعلون.. حتى أصبحنا في زمن سادت فيه السلوكيات الغريبة، وتشابهت فيه ملامح الناس لكثرة شيوع عمليات التجميل، ولتغدو الملامح البلاستيكية واحدة بين المتسابقين للفوز بالجمال، وكأن الجمال لا يعبر عنه إلا الجسد، وقد نسوا جمال الروح والعقل، وربما اكتفوا بالمظهر بعيداً عن الجوهر.
كذلك هو الحال مع مواقع التواصل الاجتماعي والنشاط عليها، والتسابق من خلالها لربح أكبر الأعداد من المتابعين حتى غدت موضة العصر، ومن لا يتبعها فهو خارج عصره.. ومن الناس مَنْ أصبحوا يشترون أعداد المتابعين ليتباهوا بها على مواقعهم الإلكترونية، ولينالوا من خلالها المكاسب من مواقعهم الحياتية. وربما جرفت هذه المواقع فئة من الناس إلى حافة الهوس المجنون.. فغدت المواقف الحياتية، والأسرار الشخصية ربما تُعرف من خلال ما ينشر على المواقع، بل أكثر من هذا إذ هي التي أصبحت تعرّف بأصحابها في أمزجتهم، واتجاهاتهم الفكرية والعقائدية، وربما بأمراضهم النفسية.. والدائرة تتسع بازدياد أعداد المنتمين المستخدمين، إن لم نقل الخادمين، والمتابعين التابعين لتلك المواقع.
والأمر لا يخلو من الطرافة الجادة.. رغم الفارق بين الجد والهزل.. عندما تصبح تلك المواقع منابر إضافية لمن يملكون كل المنابر ليطلوا من خلالها على جماهيرهم، ومنها منابر السياسة، والقرار. فقد أصبحت تلك النوافذ التي توصف بالزرقاء، وهي غالباً ما تكون زرقاء اللون بالفعل، أقول قد أصبحت ساحاتها فضاءات مفتوحة لكل أنواع الحوار دون عوائق مادامت طاقة الحوار قائمة مع الأخذ والعطاء لكل من يريد، ويرغب.
ومما يؤكد فاعلية هذه المنابر الإلكترونية أنها تخطت الأفراد العاديين لتصل إلى أجهزة المخابرات العالمية التي لم تنج هي الأخرى من فخاخ موضة العصر، وكذلك رؤساء الدول، فها هم بعض رؤساء العالم يغرّدون من مواقعهم ليعلنوا عن مواقفهم قبل أن يعلنوا عنها من خلال قنواتها الرسمية المتعارف عليها.. وقد تتطور تلك العبارات المنشورة إلكترونياً والتي تندرج تحت تسمية (تغريدات) ـ لأنها محكومة بعدد من الكلمات تتكثف فيها الفكرة لتحقق الفعل، وتصطاد رد الفعل ـ أقول قد تتطور تلك التغريدات لتتحول إلى حروب كلامية غير مسبوقة بين الدول.
وكأنه الكسر للأساليب النمطية في الحوار ليحل محلها هذا الأسلوب الجديد بين المغرد، ومن يتابعه في سبر سريع لمواقف الناس، ومشاعرهم حيال أمر ما.. أو كأن الناس أصبحوا من خلال تغريداتهم المتبادلة عنصراً مشاركاً في تقييم المواقف، والقرارات. أما سهولة التداول، وسرعته فإنهما يفردان مساحة من الإغراء لأي أحد لاغتنام فرصة التعبير عن الرأي مما لم يكن متاحاً قبل عصر (الميديا)، وكأنه الحيز الذي يهدف إلى إدماج الناس في قرارات الزعماء.. فهل الأمر كذلك فعلاً؟.. ربما.
لكن الأهم أنها فضاءات لسبر الآراء، وقياس ردود الأفعال عند عموم الناس، أو المتلقين لتلك التغريدات على مساحة العالم.. حتى إن هناك من يرصدون، ويقيّمون ليصلوا من خلال السبر، والرصد إلى استنتاجات، وتحليلات قد يكون لها ما يعززها في دائرة القرار صعوداً، أو خفوتاً.
إنها الموضة الحديثة التي تجتاح كما أمواج التسونامي وربما أعقبتها، أو سبقتها موجات من زلازل التغيير في أنماط التفكير.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 24-5-2019
الرقم: 16985