كان عمرها ثمانية عشر عاما حين تعرضت لحادث سير مؤلم تسبب لها بشلل نصفي،لتبدأ رحلة معاناة نفسية وجسدية كبيرة سيطرت عليها بالإيمان والإرادة..هيفاء منصور التي هجرت منطقة سكنها في سهل الغاب بعد عام من التفكير والتأمل إلى العاصمة دمشق كي لا تشعر أنها غريبة في وسط لا يوجد فيه ما يشبه حالتها ..ولترى عن قرب من هم هؤلاء الأشخاص من ذوي الاعاقة وكيف يشبهون بعضهم البعض.
خضعت منصور للعلاج الفيزيائي ما يقارب ستة أشهر ونصف مع وعود بإمكانية المشي.وبعد مرور المدة المقررة لم تتمكن من تحقيق حلمها بالوقوف والمشي ، ليراود نفسها أن ثمة هناك من يعطي ويبيع املا كاذبا..هذه الصبية أخذت تعيش صراعا داخليا وتحدث نفسها هل فعلا سيأتي اليوم وتحقق حلمها بالمشي أم أنها تبقى أسيرة عبارة لا تشبه أحدا حسب اعتقادها .
ربّ صدفة
صدفة سمعت منصور بوجود معهد تأهيل مهني لذوي الاحتياجات الخاصة تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيث اتت إلى هذا المكان وتعرفت على حالات تشبهها وحالات أخرى أصعب من حالتها،لكن هؤلاء الناس هم الذين علموها من انها اذا كانت فقدت نعمة المشي فهناك أشياء أخرى يمكن استعمالها (العقل،اليدين).تعلمت هيفاء منصور في هذا المعهد مهنة الحاسوب وعلى هذا الأساس أصبحت موظفة إدارية على الشهادة الاعدادية في مركز تأهيل إعادة الأطراف الصناعية بمجمع ابن النفيس وزارة الصحة .
في حديثها للثورة بينت منصور أن طموحها لم يتوقف هنا بل كان على العكس نقطة البداية من حيث الاستقلال المادي لديها ،ما جعلها تكمل دراستها وتنال شهادة الثانوية العامة ، وعدلت وضعها الوظيفي بعد حصولها على الشهادة الجامعية قسم علم الاجتماع باختصاص باحثة اجتماعيه فئة أولى بوزارة الصحة مركز إعادة تأهيل الأطراف الاصطناعية ، بالإضافة إلى اتقان اللغة الانكليزية عبرالدورات المكثفة للغة .
وأوضحت منصور بأن نصيحة المحيط من ذوي الاحتياجات الخاصة هو يجب تقوية أنفسنا بشكل مستمر ، فنحن لسنا مثل الأسوياء صحيا حسب رأيها ، وبالتالي يمكن أن نضعف فجأة قبلهم ولو كنا بنفس العمر..والحل الأفضل هنا هو رياضة المعوقين.
دخلت هذه الشابة مجال الرياضة ،حيث لم يكن هدفها تحقيق نتائج والفوز بميداليات،وإنما الهدف تقوية بنيتها لتكون مستقلة أكثر بحالها..ما جعلها تستهوي العاب قوى الحديد لتحصل على المركز الأول في بطولة الجمهورية .وكذلك المركز الأول في لعبة البيم بون عام ٢٠٠٥،وتم انتقاؤها فيما بعد لتمثيل سورية خارجيا بلعبة تنس الطاولة وحصلت على المركز الثالث في ايران ، وفي عام ٢٠١٤ اعتمد المعنيون لعبة الريشة الطائرة للرياضات الخاصة وهي لعبة قاسية تحتاج لحركة أكبر.
التصميم على الإنجاز
ولأن تصميمها كان هدفاً لتطوير نفسها جسديا جعلها تخوض التجربة لتصبح أكثر استقلالية واعتمادا على نفسها.شجعها الكابتن أحمد عطايا مدرب الرياضيات الخاصة لخوض تجربة لعبة الريشة فأتقنتها قولا وفعلا حيث تم انتقاؤها قبل أشهر لتمثيل منتخب سورية في ريشة الطائرة وهي اول مشاركة لسورية خارجيا،حيث تمكنت منصور من منافسة الشباب المشاركين من الدول العربية في بطولة غرب آسيا وحصلت على ميداليتين ذهبية وفضية.
هذا الإنجاز برأيها هو نتاج دعم مستمر وإرادة قوية مؤمنة بأن الإنسان يمتلك قدرات كبيرة يجب أن يوظفها بما تتيح له الظروف استثمارها ،وباعتبارها من أسرة أبطال تحت الركام التي تعتبرها بمثابة أسرتها المعنوية فإن حياة المرء لا تتوقف اذا ما توقفت رجليه عن الحركة .فيمكن له العمل بكل مناحي الحياة اذا هو أحبه فعلا.
دور المرأة السورية
وعن دور المرأة السورية وما قدمته في ظل الظروف الصعبة تصفها الباحثة منصور بأنها قادرة ومتمكنة ولا تختلف بشيء عن الرجل إلا بتفاصيل صغيرة والحرب العدوانية على بلدنا أثبتت هذا الشيء ، فقد جسدت حضورها في ساحات المعركة وحملت الكثير من الأعباء التي كان يقوم بها الرجل قبل أن ينخرط في معركة الدفاع عن الوطن أو اي مهمة أخرى ، واصفة المرأة السورية بأنها مثال للمرأة العالمية بتضحياتها وإيمانها وقدراتها.
وعن مشاركتها ومساعدتها في تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي لشرائح مختلفة من أبناء المجتمع ذكرت منصور أهمية هذه المهمة في تقديم العون للأطفال المهجرين على وجه الخصوص خلال السنوات الفائتة من عمر الحرب العدوانية على بلدنا ، فكانت تبحث عن أساليب مناسبة في عملية التدريس عن طريق الترفيه واستقطاب الأسر والأهالي ، ولفت نظرهم لمشكلات أبنائهم، بحيث يجب ألا يبقى الأبناء لفترات طويلة بمراكز الايواء دون عمل ودراسة.
أعمال ترفيهية
يجب استثمارهم بأعمال ترفيهية لإيصال الأفكار الإيجابية بغية المساعدة على إزالة ما علق في أذهان الطفولة من شوائب وصور مشوهة .مؤكدة أن لديها ٢٠ طالبا تشرف عليهم جميعهم متفوقون في مدارسهم وتجاوزوا مشاكلهم الاجتماعية التي تعرضوا لها سابقا بحكم التهجير القسري ، واختلاف نوعية الناس في مراكز الايواء من كل النواحي حسب البيئة والتربية والفهم والاستيعاب.
ولفتت الباحثة منصور إلى أنه كان لديها أطفال يعانون صعوبات تعلم وتأخر دراسي فأجرت لكل من لديه هذه الحالة دورات كاملة معتبرة أن هؤلاء بمثابة أبنائها كما الأطفال المتفوقين دراسيا ، حيث يلجؤون إليها متى يشاؤون ، والهدف برأي الباحثة الاجتماعية هو نشر الوعي عن طريق هذه الشريحة بمعنى ألاّ يهرب أحد ما أو يخاف من ذوي الإعاقة،»أنت أيها الطفل أيها اليافع لا تخف من هذا الشخص،لا تهرب منه ، يمكن ان تلجأ بأي وقت بعدما ارتفعت نسبة الإعاقة بمجتمعنا،وأن كثيراً من الأطفال وحتى الكبار ربما يستهجنون هذا الموضوع للحظة وقد ينفرون.
لذلك علينا مهمة نشر الوعي أمام الطفل،وفي محيطه وبيئته والكلام للباحثة منصور..يجب مصارحة الأهالي بمشكلات أبنائهم وتوضيح ما يعانونه وكيفية معالجته بإشراف مقدمي برامج الدعم النفسي وعبر الأنشطة المختلفة الهادفة لتجاوز العقبات،ما دفع الأهالي للإفصاح عن مشكلات أبنائهم والمشاركة في حلها مع الفريق المشرف.
تطمح هيفاء منصور التي تذهب إلى عملها على كرسيها دون الاعتماد على أحد ، أن تصل إلى العالمية في مجال الرياضيات الخاصة .
غصون سليمان
التاريخ: الأحد 26-5-2019
الرقم: 16986