من ود وعاش في الريف يعرف معنى كلمة (الهشير) التي هي بمعنى من المعاني النباتات والأعشاب التي تشكل دغلاً كثيفاً، يعرقل المرور، قد يكون من مكوناته ألوان وزهور جميلة، لكنه يسد الطريق ويجعلك عاجزاً عن العبور خوفاً من أشياء كثيرة، لكن إن غامرت وعبرت فلا بد أنك ستقطف بعض الأشياء الجميلة، قد يعلق بثيابك شوك وحسك، وبقايا كثيرة، وربما تضع قدمك من حيث تدري، أو لا تدري على أفعى أو حشرات مؤذية، والهشير مرادف ليس تاماً للهشيم، العشب اليابس الذي يتحول في هذه الأيام القائظة إلى وقود يشتعل من درجات الحرارة، وحصاده متعب وقاس، إذ فقد ليونته وخضرته، ولكنه ذو فائدة كعلف.
في هذا العالم الافتراضي الذي نعيشه ثمة حصاد هشيم وهشير، لا أحد ينكر أيضاً حدائق ورود نضرة جميلة بهية، لكن على الأغلب أنه هشيم بلا روح ولا حياة، ما إن يضرم عود ثقاب بطرف منه حتى تلتهب الأطراف الأخرى ليشتعل كل شيء، وربما يصل الأمر إلى حدود النضرة الأخرى، فكم من عود ثقاب أشعل حقول الندى ولوثها، وترك الزيتون عرجوناً متقداً.
وبكل الأحوال ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن هذا العالم الذي لا بد منه، إن خيراً أو شراً، لا يمكن لأحد منا أن يتجاوزه حتى تأتينا بلية أخرى لكشف الكثير من عوالمنا، فهو جلسات الصباح والمساء وهادم الجماعات، ومفرق الأسر، كما هو مقربها، وكما كانت جارتنا تقول: اللسان فرمة لحم كما تديرها تدار، وهذا العالم الافتراضي كيفما توجهه يتجه، وعما تبحث ستجد، حصادا ًشهياً، هشيماً، هشيراً. لكن لا بد من القول إني ومن خلال تجربتي التي بدأت معه منذ الشهر الأول لدخوله إلى سورية (الفيسبوك) وجدت عالماً متناقضاً بكل شيء، تحول فيما بعد إلى غابة فيها من كل لون وصنف، وبالمحصلة كما حبل الغسيل الطويل الطويل، لا ينشر عليه المنظف إلا قليلاً، معظم ما يدون أو يعلق، أو ينشر فاتك، قاتل، يدل على توحش لا حدود له.
ومن باب الطرافة مثلاً مما نشر: جمل يعلق برقبته عشرون كيلو غراماً ذهباً بمناسبة تلقيحه لـ … ومن المهلكة نفسها: استعراض سيارة هي الأغلى من نوعها في العالم، ميكرفون من الذهب الخالص للدعوات ونقل الصلوات، مليون نسخة من المصحف وربما أكثر لإفريقيا، و 450 مليار دولار لأميركا وسيدة تعرض حذاء من ذهب… وترامب يطلب المزيد، سباق هجن يكلف كذا وكذا، فلان اشترى بغلة انكليزية بأكثر من 200 ألف دولار، لأ أدري إن كان الرقم صحيحاً، مأدبة (سم الهاري) كلفت الملايين لبضعة أشخاص تسطحوا بعدها كما البغال بعد حمل ثقيل، وملايين الأطفال لا يجدون كسرة خبز.. فتن متنقلة، مخاز، شتائم وسباب يخجل المرء منه، وبعد يأتيك ويقول إنه عالم ثر وغني، نعم هو كذلك لأمة تملك وعياً تحترم خصوصية الآخر، تعرف معنى الإنسانية التي تنتمي إليها… عالم آخر لو كنا نعرف كيف نديره وإلى أين نصل به، وإلى أن يكون ذلك لا بد من ثورة وعي وفكر وقدرة على أن نكون بشراً أولاً.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 31-5-2019
الرقم: 16991