مضى واحد وعشرون عاماً على رحيل عملاق من عمالقة الأدب المعاصر نزار قباني، رحل جسده وما تزال روحه تسكننا ولم يخب يوماً بريق حروفه، حيث كانت له بصمات واضحة في بناء القصيدة الشعرية، فكانت لغته من السهل الممتنع، فلم تنحدر للعامية، فابتكر لغة فصيحة معاصرة نهل من اللغة حتى استهلك أغلب الموضوعات والصور، نحن اليوم في المركز الثقافي العربي بحمص مع الباحث نبيل باخص بمحاضرة بعنوان «قراءة في أدب نزار» تناول فيها أهم مفاصل حياة الراحل قباني سنقتطف بعض ما ورد فيها:
ولد نزار قباني عام 1932ونشأ بأحد منازل دمشق القديمة المشبعة بالوطنية، فوالده داعم وموالي للحركة الوطنية وأحد رجالاتها الذين يقودونها من حوانيتهم ومنازلهم، حصل على إجازة بالحقوق من جامعة دمشق 1945، متقن للغة الإنكليزية والفرنسية، لكنه لم يخض معترك المحاماة، ولم يدافع في حياته إلا عن الشعر والجمال، كانت بدايته مع الشاعر خليل مردم بك وتأثر ببشارة الخوري وإلياس أبو شبكة..
بلقيس أهم محور في حياة الراحل فهي الحبيبة والملهمة، عرفها في بغداد 1969، أثناء ذهابه لبغداد ليلقي قصيدته، ألتقى بأجمل قصيدة بلقيس فتزوجها فكانت أول وحدة بين قلبين عربين، وتناول «باخص» مأساة نزار بوفاة ابنه توفيق في لندن، حيث كان أميراً دمشقياً غناه نزار بقصيدته «إلى الأمير الدمشقي توفيق»:
إن الأمير الخرافي توفيق مات..
وإن الجبين المسافر بين الكواكب مات..
وإن الذي كان يقطف من شجر الشمس مات..
وإن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات..
فموتك يا ولدي نكتة ..
دمشق كانت معشوقة نزار التي كلما ذكرها يتغير لونه وتتغير نبرة صوته وكأنه يتحدث عن محبوبة فريدة ومعشوقة لا مثيل لها فكان يعلق على رؤوس الاشهاد أن مولده في دمشق فتغنى بها بالعديد من القصائد:
«مسقطُ رأسي في دمشقَ الشام
هل واحدٌ من بينكمْ يعرف أينَ الشام؟
هل واحدٌ من بينكم أدمن سكنى الشام؟
رواه ماءُ الشام كواهُ عشق الشام
وقد لقب نزار قباني بشاعر المرأة والحب وبشاعر الياسمين، وهو من أسرة فنية ..جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي، فأضحت قصائده ملاذاً للعاشقين تعبر عن أحاسيسهم الجريئة كقصيدة أحبك :
كتبت .. أحبك فوق جدار القمر
كما لم يحبك ابداً بشر ألم تقرئيها ؟ بخط يدي
وقد عاصر نزار هزيمة حزيران فدفعته للكتابة عن الجوانب التي تقع في صميم حياتنا السياسية والأخلاقية ضمن جماليته الخاصة المتفردة، فكانت الهزيمة بمثابة انفجار جديد في شاعريته:
يا وطني الحزين
حولتني بلحظة
من شاعر
يكتب الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين
احتضن قباني قضية العرب الأولى فلسطين، فكان للشاعر وقفات مشرفة منذ أعلنت دولة اسرائيل كياناً عدوانياً توسعياً …
لقد صعقته نكسة حزيران فدفعته لتمزيق أوراق الحب والعشق ليكتب في شؤون الوطن وتابع أحواله …
برغم أن نزار ليس بحاجة للشهرة وقصائده أغان بحد ذاتها إلا أن أبرز الملحنين لحن أغانيه ليغنيها كبار المطربين مثال محمد عبد الوهاب ونجيب السراج ،ومن المطربين نجاة الصغيرة وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وكاظم الساهر ..
وأخيراً: هذا غيض من فيض فلو أردنا الحديث عن الراحل لاحتجنا لمجلدات ولكن هذا جزء صغيرة من المحاضرة .
سلوى الديب
التاريخ: الأربعاء 5-6-2019
الرقم: 16994