لا يكاد يخلو أي لقاء اقتصادي -حكومي أو خاص- من الحديث عن وصفة أو صيغة لهوية الاقتصاد السوري لمرحلة ما بعد الحرب فحتى الآن ورغم العديد من المؤتمرات والحوارات لأصحاب القرار ورجال الاقتصاد لم نتمكن من تحديد الهوية الاقتصادية مع أن الوقت كان كفيلاً بتشريح الواقع الاقتصادي وتحديد أولوياته.
مع العلم أن تصريحات حكومية حددت الهوية المستقبلية للاقتصاد السوري وأخرى جزمت بعدم إمكانية تحديد تلك الهوية لا اليوم ولا حتى بعد انتهاء الحرب، ولكي نكون منصفين فإن الحرب أفرزت آثاراً سلبية مباشرة وغير مباشرة على مفاصل الاقتصاد السوري كان لها تداعيات على قطاعات عديدة خاصة تلك التي تشكل أساس النمو الاقتصادي لكن ذلك لا يبرر عدم وجود سمة خاصة باقتصادنا.
بالعودة إلى ما قبل سنوات الحرب ورغم تعدد وصفات الاقتصاد السوري، لكن أيّاً منها لم تنجح على الإطلاق، لأنها في معظم الأحيان كانت تقليداً لموضة اقتصادية دارجة، أو استيراداً لنموذج لا يتناسب ومقومات اقتصادنا وهذا ما يجعلنا نقول إن تلك الوصفات كانت ارتجالية وكانت تطبقها حكومة وتتجاوزها الحكومة التي تليها.
خلال العامين الماضين حاولت الحكومة التركيز على الإنتاج كأولوية وهذا يعني توجيه البوصلة نحو الزراعة وتحديداً الزراعات الأسرية والمشروعات متناهية الصغر والتي من الممكن أن تحقق استقراراً للاقتصاد ونوعاً من الاكتفاء الذاتي خاصة بعد الحرب الاقتصادية المعلنة ضدنا والتي تلمسنا آثارها من خلال الأزمات المتتالية على المستوى المعيشي للمواطن.
ينقصنا الكثير لننجز هيكلية جديدة لاقتصاد ما بعد الحرب لا تنقصنا الأفكار ولا الأشخاص الذين يمكنهم إنجاز تلك الهيكلية، لكن ينقصنا الإخلاص والإدارة والنزاهة لنتحول بالاقتصاد المحلي من اقتصاد لا يسدّ حاجة سوقه المحلية إلى اقتصاد منافس، ويمكننا تحويله كذلك من حالة الهزال والحماية وفرملة الاستيراد إلى حالة من ضمان المنافسة مع السلع الآتية من الخارج.
علينا صياغة هوية اقتصادية محلية تكون ملامحها متماشية وطبيعة اقتصادنا كي نستطيع زراعة الشجرة في بيئتها، والابتعاد عن التنظير بمقارنة سليمة لاقتصاد ما بعد الحرب الذي يشكل إعادة الإعمار مفتاحه والأهم أولاً وثانياً وثالثاً الإسراع بإنجاز مشروع الإصلاح الإداري والذي يتطلب نية صادقة وقراراً فورياً بعيداً عن رسم الاستراتيجيات.
ميساء العلي
التاريخ: الأربعاء 19-6-2019
الرقم: 17004