«ألن يكون من الأجدى أن نؤوب إلى زاوية قصيّة من العالم، حيث يصير صخبه وتناقضاته إلى التلاشي؟»..
على الرغم من أن كلمات إميل سيوران حين صاغ تساؤله السابق تتجه نحو منحى تشاؤمي.. يمكن للبعض تقليص سلبيتها وانتشال برعم أمل ونجاح منها.. بعكسها إلى منهج عمل يدفع صاحبه إلى اتخاذ زاوية قصيّة تخصه وحده يبتكر فيها كل أساليب مواجهته لجنون عالمٍ محيط.
في فيلم (كرة المال، Money ball)، لخص «بيلي بين» الذي أدّى دوره بألمعية براد بيت، انتصاره العظيم وفوز الفريق الذي يديره عشرين مباراة متوالية، بقوله: «وما الذي يهم في ذلك..؟»..
لم يكن الفوز، بحدّ ذاته، غايته.. ولا كسب المال.. أو سحق سجلات اللعبة.. ولا حتى دخول غينيس..
ما الذي كان يشكّل فارقاً بنظر «بيلي».. بعد أن فاجأ الجميع بانتشال فريقه من آخر مكان في قائمة المباريات إلى تصدّر تلك القائمة بتحقيق نتيجة صعقت الجميع..؟
ويبقى مُصرّاً أن «كل شيء أنجزناه لا يعني شيئاً»..
وفق وجهة نظره بميزانيةٍ منخفضة جداً قياساً ببقية الفُرَق.. وبمثل فريقه الذي خسر نجومه.. فأن يفوز لعشرين مرة متوالية يعني بالنسية له إمكانية (تغيير قوانين اللعبة)..
فكيف يمكننا تغيير قوانين اللعبة في أصعب وأبشع الظروف.. وقلبها لتصبح مواتية لنا منسجمة مع ما نطمح إليه ونبتغيه..؟
ثمة طريق سرّي يصل إلى أعمق نقطة غير مرئية في دواخل كل منّا.. طريق لا يقوى أحد على السير فيه أو إبصاره سوانا.. دليلُنا إليه صوابية ما نفعل ونؤمن به.. وبالتالي ومهما وقف في دربنا من يعيق وصولنا لن يشكلون فارقاً حقيقياً لطالما أمعنا النظر إلى هدفٍ تمكّنا منه بدايةً وسجلناه في مرمى عوائق ذاتية.. وصولاً ليتخطّى عوائق غيرية..
ما فعله «بيلي بين، براد بيت» حين خالف جميع أعضاء إدارة الفريق.. مصرّاً على قناعته التي أوصلته نهايةً إلى الفوز، يبدو مشابهاً لنصيحة أحد الأدباء الذي كان يرى أننا بدلاً من أن نطوّع ذواتنا لتصبح على مقاس ما يحيط بنا، علينا أن نقتطع من العالم ما يلائمنا فحسب.
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 27-6-2019
رقم العدد : 17010