إن تكريم كبار الأدباء والمفكرين أمر في غاية الأهمية لمن قدموا لنا فكراً وأدباً ليكون مرجعاً نبحر عبر أمواجه وننهل ما شاء الله لنا من بحر علمهم، فتوجهت أنظار جامعة الوادي الدولية الخاصة لحمل المهمة وإلقاء الضوء على شخصيات قدمت أفكارا من نور وسطرتها في كتب فكانت منارة للأجيال في الأزمنة كافة, فكان ضيفها الكاتب عطية مسوح الذي أصدر حوالي 12 كتابا في عالم الفكر والأدب.
بدأ الكاتب مسوح بالحديث بكلمات دخلت شغاف القلب وطرقه بقوة حيث يقول: بلدتي حب نمرة ونسماتها الطيبة سقت روحي وكانت بلدة مرمريتا البلدة الثانية وما يحمله لها من ذكريات جميلة ففيها شرب كؤوس العلم ونهل حتى الثمالة حين قضى سنوات من عمره في ثانويتها فكان لها دور هام ومتعدد الأفق والمصادر في التربية المدرسية ساندتها التربية البيتية متابعاً حديثه عن كتبه وعناوينها المتنوعة فقد طرق باب الفلسفة في كتابين هما (من فلسفة للتغيير إلى فلسفة للتبرير) و(الماركسية وأسئلة العصر) وأعاد فيهما الاعتبار الى المحتوى الفلسفي للماركسية بعد أن طغى بعدها الإيديولوجي التبريري في المرحلة السوفييتية وطرحت أفكاراً جديدة تستند إلى منهج ماركس المادي الجدلي بينما كتابه الثالث في المجال ذاته مازال قيد الطبع عنونه (تجدد ماركس) ولم يقف عند الحد ذاته بل له كتب ذات طابع فكري ركز فيها على الفكر العربي الحديث ولاسيما الفكر النهضوي، ومنها كتاب (مقاربات في الفكر والثقافة) وكتب عن شخصيات طرحت مشاريع نهضوية تحديثية منها (الديمقراطية والنهضة في مشروع المفكر خالد محمد خالد)، كتب نقد أدبي منها (منارات شعرية) درست فيها تجارب شعرية حديثة متنوعة الاتجاهات. وطرحت في المجال نفسه أفكاراً نقدية جديدة تعلق مكانة التذوق في دراسة النصوص الشعرية وتضع أمام الناقد الجاد مهمة مساعدة القارئ في كشف ما سميته (البؤرة الجمالية) للنص، وقد أعد للنشر في الفترة الحالية كتاباً جديداً يحمل عنوان (في وعي المواطنة).
أما الكاتب والباحث محمد بري العواني فتحدث عن عطية مسوح, حيث يقول: إنه رجل يقدِّمُ نفسه بحياءٍ بثلاث كلمات فقط ثم يبتسم بحياء وخفر، وحين يخاطِب الآخرَ فإنما يخاطبه بــ (يا أخي) سواء أكان متفقًا أم مختلفًا معه في الرأي أو الفكر أو المذهب وأمَّا (ياء) النداء فللقريب القريب وليست للبعيد كما في النحو، لأنه حين يلفظها فإنما يلفظها همسًا رقيقًا رفيقًا، حتى لَيَخالُ المرءُ أن المنادى يجلس بين شفتيه!! لافتاً بأن الأكثرَ أهميةً مِمَّا نتكلم عنه هو ذلك الوعيُ المدهش بالكتابةِ وعلاقةِ الإنسان بها، يعني علاقة المسوح بالكتابة.
مشيراً بأنه باحث ومفكِّر شيوعي ماركسيّ يتكلم ببساطة عن الطاقة الروحية يسمح لنا بأن نتأمل تجربته الوجدانية طويلًا، لأنها أنتجت أبحاثًا ودراساتٍ مهمَّةً، وكتبًا تَتَّصِفُ بالشَّفافيةِ والرقةِ والليُونةِ والجمالِ من جهةِ الروح، وبالعمقِ الفكريِّ التحليلِيِّ والتأمليِّ من جهةِ الفكر الفلسفي والسياسي والنقدي في أخرى مبيناً ما يتحلى به من بساطةِ الرجلِ العالِمِ الفقيهِ يحدِّثُنَا عطية مسوح عن مكوِّنَاتِ تجربته الروحيةِ قائلًا: وُلِدْتُ صباحَ الرابعَ عشَرَ من شُباطَ عام 1945 وبعد أكثرَ من عشرينَ عامًا علمتُ أنَّ يومَ مولدي هو يومٌ عالَمِيٌّ. يحتفل فيه العشَّاقُ، ويُحَمِّلُونَ الوردَ الأحمرَ مشاعِرَ الحبِ والوفاءِ. فأثار في نفسي نوعًا من الاعتزازِ، وصرتُ أُحِسُّ بِسَعادةٍ ما، تُنْعِشُ روحي كلَّما اقتربَ عيدُ ميلادي. وفي الرابعَ عشَرَ من شُباطٍ كلَّ عامٍ يغمرُني بهاءٌ ممزوجٌ بالزَّهْوِ، معتقدًا أنَّ ولادتي في يومِ الحبِّ جَعَلَتْنِي محبًّا للحياةِ، مُقْبِلًا عليها. محِبًّا للجمالِ بكل تجلياته؛ من جمالِ الطبيعة وجلالِها، إلى فينوسَ وأفْروديتَ، إلى غناءِ أمِّ كلثوم. ومِنْ صوتِ القوسِ وهو يداعبُ وَتَرَ الكمانِ إلى لَهَاة
فَيروزَ وهي تدغدغُ أوتارَ القلب. ومن سنديانِ المتنبي إلى دِنَان أبي نواسٍ وورودِ نزار قباني]
رفاه الدروبي
التاريخ: الاثنين 8-7-2019
الرقم: 17018