لم يَستدع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وانقلابها عليه أيّ رد فعل حاد للغرب، رغم أنه الانقلاب الذي يضر بمصالحه مباشرة، وبقي خاضعاً لواشنطن!.
لم يَمتلك الغرب إرادة تفعيل آلية من اقتراحه واختراعه للالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران، تُسهل عليه وعلى طهران التبادل التجاري والمالي، وبقيت حركته تدور في فلك الخوف والخضوع لأميركا!.
لم يَجر رصد موقف للغرب يستنكر أو يلوم واشنطن ولندن على قرصنة ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق، ولم يُسمع كلمة حق من هذا الغرب العاجز الفاجر تُحذر أو تدعو للإفراج عنها لتَجنب المخاطر التي قد تترتب على قَرصنتها!.
بالمُقابل، لم يُوفر الغرب مناسبة إلا واستغلها للتعبير عن قلقه من خفض طهران تعهدات الاتفاق النووي رداً على الانقلاب الأميركي، ورداً على العجز الغربي، رغم أن كل ما قامت به طهران حتى الآن لا يُخالف نص الاتفاق ومَلاحقه، كخطة مشتركة للعمل!.
لم يَتأخر الغرب لحظة عن الاصطفاف خلف واشنطن ولندن سواء لجهة توجيه الدعوات العاجلة لطهران بوجوب الإفراج عن الناقلة البريطانية، أم لجهة التعبير عن التضامن مع لندن، على الرغم من أن الاحتجاز أتى كنتيجة وفي إطار الرد بالمثل!.
ما الذي يَعنيه ذلك؟ ماذا يُفهم مما تَقدّم غير أن أميركا والغرب يتحدثان لغة واحدة، أُسها وأساسها الاستعلاء، مَنطقها الهيمنة وشَرعنة العدوان، لا قيمة فيها للقانون، وليس فيها أيّ اعتبار للآخر كائناً من كان؟!.
طهران أعطت فُسحة زمنية طويلة جداً للغرب، للعالم، للسياسة والدبلوماسية، سنة كاملة قبل أن تلجأ لخفض تعهدات الاتفاق النووي المنصوص عليها، والتي لا تُعد مُخالفة للاتفاق، فضلاً عن انسجامها مع النظام الأساسي للمُنظمة الدولية ذات الاختصاص وباعترافها، ذلك أن نسبة التخصيب الحالية لليورانيوم هي حقٌ للجميع!.
طهران مَنحت لندن ومدريد فُرصة المُراجعة والإفراج عن الناقلة (غريس)، قبل أن ترد، بل إنها لم تَرد إلا بعد أن مَدد المُدعي العام الإسباني احتجاز (غريس) 30 يوماً إضافياً دون وجه حق!.
جوسيب بوريل القائم بأعمال وزير الخارجية الإسباني هو من كشفَ عن أن احتجاز (غريس) جاء بطلب أميركي، وبالتالي أغلقَ باب الاستنتاجات، وأسقطَ ذريعة أن الاحتجاز حصل بناء على اشتباه بوجهتها؟ حتى لو كان صحيحاً فما من شيء يُلزم طهران بالامتثال لعقوبات أميركية ظالمة تفرضها واشنطن على طرف ثالث، سورية أو غير سورية!.
مُشكلة أميركا والغرب مع إيران، كذبٌ ونفاق أن يُقال إنها على علاقة بالنووي أو سواه، فالمشكلة الحقيقية هي بمكان آخر، نعم لها علاقة بالسيادة والحقوق وفقط بهما. فإيرانُ تُمارس حقها وسيادتها بلا نقصان. هذا يَنسف مَنطق الاستعلاء الأميركي الغربي؟ نعم يَنسفه، وينبغي نسفه وإسقاطه، هو ما يجب أن يُسعد شعوب الأرض قاطبة، وهو ما ينبغي أن يَحظى بدعمها وتأييدها، حتى شعوب الغرب إذا كانت صادقة بما تَدّعي!.
علي نصر الله
التاريخ: الاثنين 22-7-2019
الرقم: 17029