ثورة اون لاين: يقال ان مدينة واشنطن العاصمة الفيدرالية للولايات المتحدة الامريكية قد صممت وفق التخطيط البنائي والتموضع على شكل مربع رمزا للعدالة وبعيدا عن دقة المعلومة من عدمه وهو ما يناقضه واقع الحال وبالعودة للسياسة الامريكية خلال ستين سنة من تاريخ العلاقات الدولية وبالنظر الى مجمل التطورات الحاصلة في البيئة الاستراتيجية الدولية منذفترة الحرب الباردة الى القطبية الاحادية وحتى وقتنا الحاضر يمكن للملاحظ السياسي ان يصل الى جملة عناصر تحكم السياسة الخارجية الامريكية يأتي في مقدمتها انها تضع اهدافا استراتيجية تنطلق من عقيدة سياسية لا يخرج عنها اي رئيس امريكي سواء كان جمهوريا او ديمقراطيا ويقتصر التغيير في حدود السياسة الداخلية وان كان ثمة تعديل على السياسة الخارجية فهو في طريقة تحقيق الاهداف او التعاطي معها لا في تغييرها وهنا يمكننا الدخول في المعطى الثاني الذي يميز تلك السياسة وهو الديناميكية في التعاطي مع العالم الخارجي والديناميكية تعني هنا تتقاطع تماما مع البراغماتية وهي النزعة التي تحكم السياسة الامريكية اي القدرة على التعاطي مع الواقع المتغير بما يحقق المصلحة الامريكية بعيدا عن المذهب السياسي للاخر شريطة ان لا يعلن عن عدائه الصريح او وقوفه بمواجهة السياسة الامريكية ويحول دون تحقيقها ان استطاع ذلك .
انا المعطى الثالث الذي يميز السياسة الامريكية من وجهة نظرنا فهو انها تستخدم كل الوسائل والاساليب والاوراق ووسائل الضغط والنفوذ كي تحقق اهدافها سواء انسجم ذلك مع قواعد القانون الدولي ام لا فالغاية تبرر كل الوسائل جريا على المكيافيلية التي هي جوهر السياسة الامريكية والقاعدة فيها هي بكل بساطة ان النجاح في تحقيق اي هدف يعطيه قوة القانون ومن هنا يكتشف الباحث ان امريكا لم يحاسبها احد على القاء القنابل النووية على اليابان وكذلك على مقتل اكثر من مليون اندونيسي في خمسينيات القرن الماضي ومثلهم في حرب فيتنام وفي العقد الماضي على حربيها على افغانستان والعراق وازهاقها لارواح مئات الالاف منهم .
المعطى الرابع هي سياسة النفس الطويل في معاقبة الخصم او محاصرته سياسيا واقتصاديا وعبر المنظمات والمنصات الدولية والمثال على ذلك الحصار والعقوبات التي فرضتها امريكا على كل من كوبا وكوريا الديمقراطية والجمهورية الاسلامية الايرانية ولاحقا سورية فعلى الرغم من مرورعدة عقودعلى بعض تلك العقوبات والتبدل الحاصل في البيئة الدولية وخرائطها السياسية وتناوب اكثر من عشر رؤساء امريكيين على سدة البيت الابيض الاان القاسم المشترك الاعظم بينهم هو استمرار تلك السياسات .
بالمحصلة يمكننا القول بأن الرهان على تغيير في السياسة الامريكية تجاه دول العالم التي تصنف في دائرة الاعداء او الخصوم هو رهان فاشل ولا يمتلك اي درجة ولو ضئيلة من التحقق ما دامت الولايات المتحدة الامريكية اللاعب الابرز في المشهد الدولي وهنا يصبح الامل في تغيير بنيوي او جوهري على السياسة الخارجية الامريكية مرتبط بقدرة القوى الكبرى الناهضة او تحالف دولي لقوى صاعدة تتكتل سياسيا واقتصاديا وعسكريا بحيث تشكل ثقلا حقيقيا وازنا وله استطالات على المستوى العالمي الامل الوحيد في احداث تبدل عميق في تلك السياسة وبالتالي في قواعد اللعبة الدولية .
د.خلف علي المفتاح