في مجموعته الشعرية الثانية (من أجل أن يهدأ الرشأ) غاص الشاعر حسن قداح في بحور العشق والغرام، فإذ به سباحا ماهرا تراه بقاع البحر ويسبر أغواره وغرائبه بكل خفة ورشاقة وبلمح البصر تجده طافيا على وجه الماء كسمكة تآلف بيئتها, أتقن فنون الحب والغزل بهوس المحب، يتنقل من قصيدة لقصيدة كطائر غرد أخذ يشدو ألحانه بصوت شجي عذب.
تناول الشاعر في مجموعته هذه مواضيع عدة متنوعة عن (الحب، والعشق، والغزل، والنساء، والوصف وخاصة الأماكن…. وغير ذلك) فأول قصيدة تحدث عن الشعراء والمتهمين من قبل العامة بالسحرة ومصيرهم النار مهما قالوا ومهما كتبوا بقوله:
قالوا هم الشعراء في النار التي تشوي الوجوه بحمأة النيران
فالشعر من شيطانهم أغوى
الورى هم قوة والفعل للشيطان
لا يسأل الحسون عن تغريدة
فالطير مفطور على الألحان
مزج غرامه بخمر الثغور فمن الشفاه شرب القوافي فأصبحت غيما تساقط شعرا:
دعتني لأشرب كأس الغرام
ومثلي يميز في الحور خمرا
رفضت المدام لأني خبير
فأبعدت كأسا وأدنيت ثغرا
يقول في الشعر أنه فتنة وحس صادق والشاعر الخلاق لا بد طرف سارق، ويبقى الجمال فكرة ليترجمها الشاعر إحساسا وصورا وجملا نحملها في طيات كفنا وأزرار ملابسنا والشاعر لا بد أولا وأخيرا سيبقى عاشقا:
الشعر حس صادق.. ولهفة وخافق
يبقى الجمال فكرة.. والشعر عنه ناطق
يدعونني ظلما (حسن).. أما أنا فعاشق
من كثرة عذابات عشقه يخاطب قلبه بالتحمل بعد أن أعياه وهزمه العشق والشوق فمهما يكن سيبقى الحب في قلبه باسقا كنخل العراق، وطائرا حرا لايرضى إلا قمم الجبال كصقر البوادي، وسيبقى غرامه مكمن سعادته ولو انتهى بعواصف وحطام:
ترجل كفاك اشتياقا وحبا
أضعت حياء وروحا وقلبا
تجمل..فأنت كنخل العراق
يهال عليه وما هز هدبا
تجمل.. فأنت كصقر البوادي
يطير بعزة نفس ويأبى
وعنده الحب أول شهقة الحياة، تغنى بالحب والشعر والنساء، استحضر الحب في العصر الجاهلي وأن عذابات الحب واحدة مهما اختلفت الأزمنة، وعبثا يحاول كتمان هواه لكن سرعان ما يتجلى بملامح وجهه، ومخلص في حبه كإخلاص ابن الملوح، فهو قيسي الهوى وشاعر عذري وغزلي بامتياز،رغم معرفته أننا في زمن من يحب بصدق واهم ورغم ادراكه أن زمن ليلى وقيس محال يرجع:
ليلى وقيس لا أظن سيرجعا
فالحب وهم والذهول حنان
من كان يهوى قد أصيب بعقله
عشق الجنون وزاده الإدمان
ومن يقرأ العناوين وما بين السطور يدرك هيام الشاعر في الوجد، لا يملك إلا أحاسيسه ومشاعره يصبها في كلماته لتكون له السلوى، في قصيدة (أنثى) يصف الشاعر محبوبته ويعجز في وصفها لأن جمالها فاق كل الوصف:
فالشمس بعض نورها.. والبدر منها قندلا
هي نسمة في جريها.. منها الشذا تجندلا
فإن مشت آثارها.. تعطي المروج سنبلا
لم ينس وصف مدينته قدموس اذ قال فيها اذا حملتها كأني أحمل الطبيعة أينما رحلت:
قدموس والدها الرحيم نهار
تلد الشموس وأمها الأسحار
والليل فيها جبة قد فضضت
بنجومها، فليلبس الأطهار
والشمس في الإصباح تضحك
حمرة فوق التلال لأنها مخفار
تسع وثلاثون قصيدة حاول حسن قداح في (من أجل أن يهدأ الرشأ) طباعة دار قرطاج – طرطوس، أن يزرع الحب في النفوس المتعبة بعد أن أضناها الكره والحقد وفكر القتل المصدر والعودة بنا الى دروب العشق الصادق البريء لأنها قادرة على غسل أرواحنا لتعود صافية نقية مثل ما كانت لأن الحب الصادق يصنع المعجزات وبالحب وحده يستطيع الإنسان أن يحيا, بصور إبداعية جمالية خلاقة:
فخمرك جوهر روح الخمور
وماء الخمور تكاثف قطرا
فمزج الرديء مع المستحب
سيبقى بعيني شركا وكفرا
فسكر النبيذ سيتلوه صحو
وخمرك سكر يؤجج سكرا
فمن شفتيك شربت القوافي
فأصبحت غيما تساقط شعرا
سمر رقية
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036