عماد جلول للثورة: ليس لدينا أزمة مسرح وإنما تمويل.. ونشاطنا متصاعد يشمل الريف.. ومهرجانات وجوائز دولية
نشطت العروض المسرحية والفعاليات الفنية التابعة لمديرية المسارح والموسيقا خلال سنوات الحرب بزخم متواتر استطاع رغم كل الصعوبات أن يغطي بجدارة الفراغ المسرحي الذي أحدثه غياب المسرح الخاص و مسارح العمال والجامعي والشبيبة وحتى المسرح المدرسي كروافد تنافسية كان لها حضورها في عقود ماضية ولو نسبيا, وأن ينهض بواقع المسرح الذي كاد أن يدخل في حالة سبات ثقافي وإعادة النبض له من جديد, وذلك مع توفر الدعم المطلوب من قبل وزارة الثقافة بالتوافق مع متابعة إدارة مديرية المسارح والموسيقا العاشقة للمسرح, وعودة بعض الفنانين المخضرمين الأوفياء له, وهذا ما استثار حنين الجمهور أيضا وشغفه لاستحضار الأجواء المسرحية بخصوصيتها التفاعلية ما يمهد لنهضة حقيقية في واقع المسرح السوري بدأت ملامحها خلال سنوات الأزمة وهاهي تشهد حضورا متصاعدا في المشهد الثقافي على امتداد الساحة السورية.
تظاهرة فرح الطفولة
تساؤلات عن المسرح السوري حاضرا ومستقبلا, طموحات ومعوقات, مشاريع وتجارب ومهرجانات طرحناها على الأستاذ (عماد جلول) مدير مديرية المسارح والموسيقا في دمشق عبر رحلة في فضاءات الفن والواقع, والبداية من تظاهرة فرح الطفولة التي حرصت المديرية على انطلاقها خلال أيام عيد الفطر ملبية حاجة مجتمع بكامله وليس الأطفال وحدهم.. عن ماهية هذه التظاهرة وإلى أي مدى استطاعت ترميم الصدع الذي خلفته ارتدادات الحرب في نفوس تلك البراعم؟ وهل شملت محافظات أخرى؟ حدثنا الأستاذ عماد جلول قائلا:
— مهرجان ربيع مسرح الطفل الذي يتزامن مع عطلة الربيع هو تقليد سنوي عمره أكثر من خمسة عشر عاما كان يقام في مختلف المحافظات السورية, حتى عندما لايتوفر المسرح التابع للمديرية كنا نستعين بمسارح مديريات الثقافة ومدرج حديقة تشرين بالتعاون مع محافظة دمشق مشكورة بالإضافة إلى بعض المراكز الثقافية لاستقطاب شريحة كبيرة من الصغار والكبار في آن معا مساهمة في عملية النهوض بمسرح الطفل,وهذا تحد بحد ذاته أن تقدمي عروضا مسرحية مناسبة للأطفال واليافعين في زمن الذكاء الصناعي المتاح على مدار الساعة, هذا العام قدمت العروض على مسارح الحمراء والقباني والعرائس.
وهناك تحضيرات للتوسع في العروض المسرحية لتشمل الريف تدريجيا وذلك بتوجيه من السيد وزير الثقافة لتوفير فرصة الحضور لأكبر عدد من الأطفال وذويهم دون عائق أو إرهاق وبشكل مجاني تماما رغم أن شباك التذاكر أصلا رمزي, وقد لاقت هذه الفكرة استحسانا كبيرا لدى الجمهور من خلال الاستبيانات التي أجريناها.
كما أننا نحضر لتظاهرة جديدة خلال أيام عيد الأضحى ونسعى لتوسعها أكثر بحيث تشمل معظم المحافظات السورية.
ونعمل على تنفيذ ورشات رسم وكتابة مسرحية خلال الأنشطة الموازية للمهرجان بشكل سنوي وتلاقي إقبالا كبيرا من الأطفال, وقد تم مؤخرا التحضير لورشة دمى وورشة خيال الظل في مسرح القباني بإشراف الفنانة ريم الخطيب,وورشة لمسرح العرائس والإعداد لورشة (الأطفال يعدون مسرحهم) من خلال كتابات مسرحية في نهايتها نخرج بمشاهد أو عرض مسرحي متكامل ويحضر لها المخرج عبد السلام بدوي.
أما عن مساهمة مسرح الطفل في رأب الصدع الذي خلفته الحرب في نفوس أطفالنا أقول: إن سنوات الحرب الطاحنة لايمكن لأي مسرح أن يرمم انعكاساتها كونها تحتاج إلى جهود جماعية متضافرة من كل الجهات المعنية بمافيها التربية والإعلام والثقافة, نحن نقدم عروضا من إنتاج المديرية أو نشتريها من القطاع الخاص ونعرضها مجانا كي يتاح لأكبر عدد من الجمهور مشاهدتها هدفها خلق حالة من البهجة والفرح في نفوس أطفالنا بماينعكس على الأسرة والمجتمع.
حلب تشهد نهضة مسرحية
– ماذا عن واقع المسرح في حلب..ونعلم أن الشهباء شهدت تظاهرات مسرحية للأسرة والطفل وكان هناك تفاعل كبير معها؟
— مدينة حلب تشهد حاليا نشاطا مسرحيا كبيرا وملحوظا تتميز به عن باقي المحافظات سواء ماتنتجه مديرية المسارح والموسيقا أو من خلال المسرح الخاص التجاري, هناك مجموعة من الشباب والشابات لديهم رغبة قوية في تنشيط الحركة المسرحية من جديد بالتعاون مع مديرية الثقافة بحلب ونقابة الفنانين, ومديرية المسارح والموسيقا تقدم لهم الدعم اللوجستي لمواكبة طموحاتهم مساهمة منها في تحقيق نهضة مسرحية حقيقية, علما أنه في ذروة الأزمة كان هناك عروض مسرحية مميزة للأطفال والكبار قمنا وقتها باستئجار مسرح نقابة الفنانين لعرضها كونه المسرح الوحيد الذي يعود للمديرية وهو مسرح دار الكتب الوطنية الواقع حينها في منطقة ساخنة شبه مدمر وقد لاقت إقبالا جماهيريا كبيرا رغم القذائف والحصار,
وحاليا نستعد لاستضافة عرض خيال الظل من حلب الشهباء على مسرح القباني إخراج جمال خلو ويتم التحضير لعرض مسرحي للدكتور وانيس بندك وعرض لحكمت عقاد.
– تابعنا نشاطات مسرحية تخص ذوي الاحتياجات الخاصة (مرضى التوحد) حدثنا عن هذه التجربة؟
—- الحقيقة أن هناك جمعيات خيرية تبذل جهودا كبيرة في هذا المجال, قمنا بالتعاون مع إحدى هذه الجمعيات وقدمنا لهم المسرح والإضاءة والصوت والفنيين والتقنيين ليظهر العرض المسرحي الخاص بأطفال مرضى التوحد في إطار يليق بجهدهم الجبار ويصل للناس, كان عملا مسرحيا ناجحا ومؤثرا جدا تم عرضه على مسرح الحمراء مؤخرا,والدعوة مفتوحة للتعاون مع كل الجمعيات الخيرية في هذا المجال.
أزمة التمويل والقوانين
– بناء على المعطيات السابقة كيف هي صحة المسرح اليوم؟ وأين هو الخط البياني للحركة المسرحية في سورية مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات الحرب وخلالها؟
— الواقع أنه خلال الأزمة وخلافا للمتوقع ازداد عدد الجمهور المتابع للمسرح, كنا نفاجأ بالأعداد الكبيرة رغم القذائف لأن الناس كانت بحاجة لمتنفس راق يستحضر ذكريات الأمان في تفاصيل حياتها, وهذا الجمهور الوفي دفعنا لمزيد من الإخلاص والتفاني لتقديم أعمال متميزة تواكب تحفيزه ودعمه لنا للاستمرارية في العمل وسط الأحداث الدامية,ففي عام 2017 مثلا قدمنا 14 عرضا مسرحيا, وهي في تصاعد مستمر.. مؤخرا اختتمنا عرضا مسرحيا للقدير أيمن زيدان و بالتزامن معه عرضت عدة أعمال مسرحية وذلك في النصف الأول فقط من هذا العام, لدينا موسم مسرحي متنوع وزاخر بأسماء كبيرة قدرا وقامة, وأسماء شبابية جديدة أيضا ضمن مشروع دعم مسرح الشباب, وبالتالي فإن الخط البياني للحركة المسرحية في تصاعد مستمر مقارنة بسنوات ماقبل الحرب.
– ماهو دوركم في استعادة مكانة المسرح لدى المجتمع وسط المنافسة القوية لدراما التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي؟
—- الجمهور السوري ذواق ومتابع للمسرح وقادر على تقييم الأعمال المقدمة له مباشرة وينعكس هذا التقييم على شباك التذاكر والإقبال المتزايد.. على سبيل المثال عندما قدم العرض المسرحي للأستاذ أيمن زيدان على خشبة مسرح الحمراء مؤخرا كان الإقبال كبيرا جدا رغم درجات الحرارة المرتفعة,الناس فضلت حضور العرض المسرحي عن الذهاب للاصطياف والمنتزهات..والصالة لليوم الثالث على التوالي كانت ممتلئة تماما..الجمهور بكافة الشرائح العمرية لم يهجر المسرح لكنه بحاجة لعروض ذات سوية فنية جيدة وجاذبة.. ونحن نعمل على هذا الجانب من خلال لجان القراءة والمشاهدة التي تنتقي أعمالا مسرحية ذات سوية ثقافية وفنية تليق بوعي وحنين الجمهور السوري للمسرح.
– رأيك ماهو سبب عودة عدد من الفنانين المخضرمين إلى خشبة المسرح رغم إغراءات الدراما التلفزيونية؟ وهل هذه العودة تساهم في معالجة بعض أزماته؟
— نحن بالطبع لانستطيع أن ننافس عمل التلفزيون ومايقدمه للفنانين لأن شروط الدراما التلفزيونية مختلفة تماما عن المسرح فهناك شركات خاصة للتمويل والإعلان والتسويق وماإلى ذلك.. السبب الوحيد هو الإيمان والحب والإخلاص من قبل هؤلاء الفنانين الكبار للمسرح بالتوازي مع دعم وزارة الثقافة لمديرية المسارح وتقديم كل مايلزم لتكامل العروض المسرحية وجاهزيتها ما انعكس على تصاعد وتيرة العروض في السنوات الأخيرة, خلافا لسنوات ماقبل الحرب التي كان يتردد في أوساطها الحديث عن أزمة مسرح.. والحقيقة أن أزمة المسرح تتركز بالتمويل فقط لأن سورية كانت ولاتزال منبعا للثقافة والمعرفة والفن. لدينا مخرجون مخضرمون وشباب موهوبون, و كتاب محليون متميزون ناهيك عن الأدب العالمي والنصوص المتوفرة في المكتبات بالمئات, ويتقدم إلى لجنة القراءة عشرات النصوص ويصل أحيانا للمئة نص مسرحي سنويا, والمسارح موجودة, كل العناصر الفنية للمسرح متوفرة وبالتالي الأزمة المسرحية تتركز بالتمويل وبتحديث القوانين التي تخص العمل المسرحي..فمع دخول الحرب اعتقد البعض أن أزمة المسرح ستتفاقم مع سفر بعض الفنانين لكن الواقع ومن خلال الإحصائيات لما تم إنتاجه مسرحيا خلال هذه السنوات تبين أن المسرح زاد نشاطه عندما توفرت الإرادة الحقيقية للدعم مع روافد متعددة منها المعهد العالي للفنون المسرحية الذي مد الحركة المسرحية بطاقات شبابية وذلك بالتوازي مع زيادة الأجور ولكن تدني القدرة الشرائية عموما لم يجعل الفنان يشعر بهذا التغيير الإيجابي.
الفن مرآة الواقع
– من خلال متابعتك اللصيقة.. إلى أي مدى استطاع المسرح أن يعكس الواقع في عروضه.. وما الأفكار التي يمكن أن ينهض بها وسط الأحداث الدامية التي وقعت..؟ هل تفاعل معها أم تجاهلها ولماذا؟
—- الحقيقة أن مهمة المسرح والثقافة عموما بكل مفرداتها من كتابة ومسرح وشعر وموسيقا لاتكون نتائجها آنية سريعة بل تراكمية تحتاج عشرات السنين لتظهر مجتمعيا, ذلك أن جهود عشرات الفنانين في عرض مسرحي معين يمكن أن تطرح جملة تحمل فكرا معينا.. وكذلك عرض متكامل للأطفال يخرج منه الطفل ليردد مقطعا من أغنية لها علاقة بفكرة حول حب الوطن مثلا أو الأمانة وماإلى ذلك.المسرح يحتاج عشرات السنين من الجهد الدؤوب لكي نحصد ارتداداته مثل أي مكون ثقافي آخر ولذلك سنوات الحرب لاتزال انعكاساتها قائمة ومستمرة والأزمة تولد أزمات ولايمكن أن يرتقي أي عمل مسرحي مهما كان متكاملا لاستيعاب الواقع بتفاصيله.. نحن قدمنا جوانب معينة تعكس جزءا من الواقع المرير الذي عشناه, وكل ماقدم في السينما والدراما والمسرح والإعلام هو جزء سطحي جدا من الأحداث, في محاولة لملامسة مناح متفرقة من هذا الوجع الإنساني.
– في ظل تلك المعطيات الإيجابية مالذي نحتاجه بعد لتعزيز حضور مسرح عميق متكامل وفعال؟
—- نحن حاليا نتلقى الدعم اللازم من وزارة الثقافة مشكورين, والفنانون الكبار يعودون إلى مسرحهم بشوق ليصبوا على خشبته خلاصة خبرتهم, وبتوفر هذه الثنائية الهامة مع حضور الطاقات الشابة من المتحمسين للعمل المسرحي وشغف الجمهور ومتابعته وتحفيزه يمكن للمسرح أن يستعيد كامل عافيته وتألقه من جديد وماالحراك المسرحي الذي نشهده حاليا إلا دليل على أن توفر الإرادة مع العمل والدعم المسؤول من شأنه خلق الإبداع المسرحي المنشود.
– ماذا عن مشاركاتكم في المحافل والمهرجانات الدولية كحضور وجوائز؟
—- المسرح السوري كان له حضوره الفاعل في مختلف المهرجانات الدولية, وله بصمته الناصعة عبر مسيرته الطويلة في حصد الجوائز بمختلف أنواعها, إلا أن انعكاسات الأزمة أثرت على تواجدنا فيها خلال السنوات الماضية, مؤخرا كان لدينا العديد من المشاركات الدولية منها عرض (ستاتيكو) من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا الذي حصد ثلاث جوائز في أيام قرطاج المسرحية (أفضل نص مسرحي وأفضل ممثل وأفضل ممثلة).. و مشاركة في مسرح الطفل ضمن مهرجان الحسيني في كربلاء حصدنا خلاله جائزة أفضل محرك دمى, وهناك العديد من المشاركات التي نحرص من خلالها على استمرارية حضور المسرح السوري في المحافل الدولية.
عندما تتضافر الجهود
لأننا مجتمع إنساني لاتقهره النوائب رغم قسوتها هاهي روح المسرح السوري العريق تتجلى في مختلف المحافظات التي تشهد حراكا فنيا بالعموم ومسرحيا بشكل خاص يلبي حاجة مجتمعية الانعتاق من ارتدادات سنوات الحرب الثمانية ومفرزاتها عبر عروض مسرحية متواترة في مختلف المسارح ولاسيما في دمشق الفيحاء وحلب الشهباء التي لم يهجرها عشاقها حتى في أحلك الظروف, إضافة إلى تظاهرات فنية وفنون شعبية تعيد الألق إلى مساءات صروح تاريخية وتراثية سنتوقف عند تفاصيلها في عدد قادم..
لينا إسماعيل
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036