الغاز المنتظر واستثمار مرفأ طرطوس من أبرز طلائع هذا الاقتصاد.. المسامك الشاطئية واستخراج الملح البحري خطوات للاقتراب من الاقتصاد الأزرق
ليست سورية بمعزلٍ عن الاقتصاد الأزرق، ولكنها ما تزال بحاجة كبيرة للغوص أكثر إلى أعماقه، واستثمار قدراته ومكامنه التي لا يزال الكثير منها نائماً.
ما هو الاقتصاد الأزرق..؟
الاقتصاد الأزرق هو باختصار الاقتصاد الذي يعني الإدارة الجيدة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والقادمة.
وقد عُرِف مفهوم هذا الاقتصاد الجديد في عام 2012 عندما أطلقه رجل الاقتصاد البلجيكي ( غونتر باولي ) وهو يؤكد على صون الإدارة المستدامة للموارد المائية، استناداً إلى فرضية أن النظم الإيكولوجية السليمة للمحيطات والبحار والمسطحات المائية هي الأكثر إنتاجية وهي واجبة من أجل استمرارية الاقتصادات القائمة على المياه.
وما هي النظم الإيكولوجية..؟
هي أيضاً باختصار تتمثل في المنافع المتعددة التي توفّرها الطبيعة للمجتمع، والتنوّع البيولوجي عبارة عن التنوّع الموجود بين الكائنات، فهذه النظم الإيكولوجية هي العناصر الحية التي تتفاعل مع بعضها البعض ومع البيئات غير الحية المحيطة بها، وتوفّر المنافع أو الخدمات إلى العالم، وهي تجعل حياة الإنسان ممكنة عبر توفير الأغذية والمياه النظيفة، وضبط الآفات والمناخ، ودعم تلقيح المحاصيل وتشكيل التربة، وتوفير المنافع الترفيهية والثقافية.
وعلى الرغم من تقدير قيمة النظم الإيكولوجية – حسب بعض الدراسات – بحوالي 125 ترليون دولار أميركي، فإن هذه الأصول لا تندرج في السياسات العامة الاقتصادية والسياسية على نحو ملائم، مما يعني أن الاستثمار في حمايتها وإدارتها ما يزال غير كاف.
محفز لتطوير الاستثمار
ويعمل الاقتصاد الأزرق كمحفز لتطوير السياسات والاستثمار والابتكار في دعم الأمن الغذائي، والحد من الفقر والإدارة المستدامة للموارد المائية، وذلك عن طريق تربية الأحياء المائية، وتعزيز السياسات والممارسات الجيدة لاستزراع السمك والمحار والنباتات البحرية بصورة مسؤولة ومستدامة، بالإضافة إلى توفير خدمات النظام الإيكولوجي الذي يستهدف تعزيز النظم الرقابية وآليات استعادة الموائل ( أو البيئة الطبيعية ) الحيوية الساحلية والتنوع البيولوجي وخدمات النظام الأيكولوجي.
ويشمل الاقتصاد الأزرق الكثير من الأمور من بينها الصيد، النقل للركاب والبضائع، استخراج النفط والغاز من أعماق المحيطات والبحار.
وقد شهدت عدة دول صناعية تنمية اقتصادها الأزرق على نحو كبير من خلال استغلال الموارد البحرية عبر عمليات الشحن، الصيد التجاري، والصناعات النفطية والتعدينية.
وتقدر قيمة اقتصاد المحيطات في جميع أنحاء العالم بنحو 1.5 تريليون دولار سنوياً، كما أن 80% من التجارة العالمية يتم نقلها عبر البحر.
وترتبط 350 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم اليوم بصيد الأسماك، وتعد الزراعة المائية أسرع القطاعات الغذائية نمواً، وتوفر نحو 50% من الأسماك المخصصة للاستهلاك البشري، فيما تشير التقديرات إلى أن نحو 34% من النفط الخام سوف يأتي من الحقول البحرية بحلول عام 2025.
طلائع الاقتصاد الأزرق السوري
كما أشرنا لسنا بمعزلٍ عن هذا الاقتصاد، فالتجارة السورية عبر البحر تُمارَس على نحوٍ واسع، استيراداً وتصديراً، ونقل المسافرين من سورية إلى الخارج وبالعكس بحراً أمرٌ وارد وإن كان على نطاقٍ ضيق، غير أنّ خدمات النقل بحراً بين المدن البحرية السورية (اللاذقية – جبلة – بانياس – طرطوس ) ما تزال منعدمة، باستثناء النقل البحري المكثّف بين طرطوس وجزيرة أرواد، بحكم عدم وجود البديل طبعاً، وهذا ما يُفوّت على الاقتصاد السوري الكثير من الواردات ومن فرص العمل الممكنة على الخطوط البحرية الداخلية.
كما يُمارس صيد السمك من البحر في سورية على نحوٍ شبه يومي، ولكن كميات الصيد تبقى شحيحة جداً، لدرجة أن السوريين ما يزالون بعيدين عن تقليد تناول السمك، حيث يقلّ نصيب الفرد عن واحد كيلو غرام سنوياً من السمكِ فقط، وذلك أمام قلة الصيد من ناحية، وتالياً ارتفاع سعر السمك الذي لا يتناسب مع مستوى دخل الفرد المنخفض.
ويبدو أننا هنا نحتاج إلى تحسين وسائل الصيد وطرائقه إذ تبدو وكأنها ما تزال بدائية وغير مجدية تماماً، وكما أننا بحاجة إلى التركيز أكثر على تحسين وضع الموائل البحرية لتكون أكثر قدرة على جذب الأسماك ونموّها بالشكل المناسب الذي يزيد من كمياتها بما ينعكس على زيادة استهلاكها بعد زيادة عرضها وانخفاض السعر تلقائياً.
ولتدارك جانب من هذا النقص في الأسماك، وأملاً بزيادة كمياتها وانخفاض أسعارها، قامت مؤسسات حكومية سورية معنية في الآونة الأخيرة بزراعة كميات كبيرة من أصبعيات السمك في السدود والمسطحات المائية، وما نزال بانتظار النتائج.
ونحن اليوم في الواقع نحتاج إلى المزيد من فروع الاقتصاد الأزرق الكفيل بتحقيق الكثير من الموارد، وبتشغيل آلاف العاطلين عن العمل، التوّاقين إلى فرصٍ كريمة، سياحية وصناعية وتجارية، ومن هنا فإن عملية استثمار مرفأ طرطوس من قبل إحدى الشركات الروسية يُعتبر من طلائع الاستثمارات الكبرى للاقتصاد الأزرق، في حين تنتظر الأوساط السورية نتائج التنقيبات عن النفط والغاز الجارية حالياً في البحر بفارغ الصبر، وكانت وزارة النفط قد رجّحت مؤخراً أن يبدأ الإنتاج التجاري من الغاز المستخرج من البحر خلال عام 2023، مبيّناً أن الاحتياطي المقدر لبلوك بحري واحد من الغاز يعادل احتياطي البر كاملاً، وهو يصل إلى نحو 250 مليار متر مكعب، وهذا من أهم طلائع الاقتصاد الأزرق المنتظر.
الاقتصاد الكامن
كما أن هناك العديد من التطلعات لمشاريع سياحية منتظرة لعلّ أبرزها المنطقة السياحية الحرة، ومشاريع سياحية منوعة كالتلفريك وسلسلة مطاعم وفنادق ومنتجعات بحرية، وكانت هيئة الاستثمار السورية قد أعدّت خارطة استثمارية متواضعة للمنطقة الساحلية ضمت نحو 15 مشروعاً في عدد من المجالات والقطاعات كالصناعات الاستخراجية والتحويلية وفي قطاع البناء والتشييد وقطاعي التجارة والسياحة كالفنادق والمنتجعات السياحية، وعملت الهيئة من خلال هذه الخريطة على توزيع الفرص بطريقة تتناسب مع المساحة الجغرافية لمحافظتي طرطوس واللاذقية ليكون التوزيع على أكبر مساحة ممكنة فيهما، وقدّرت الهيئة التكلفة الاستثمارية لإجمالي هذه الفرص بنحو 200 مليون دولار أميركي، بالإضافة لعدد من الفرص الاستثمارية التي يتم البحث في طرحها لاحقاً كمشروع توسيع مرفأ اللاذقية والذي تبلغ تكلفته الاستثمارية لوحده أكثر من مليار دولار.
بوادر الأمل
بعد إقرار إقامة المدينة الصناعية البحرية في عرب الملك ( بين جبلة وبانياس) لصناعة وصيانة السفن، والتي ستكون علامة بارزة في تكريس الاقتصاد الأزرق، تأتي المشاريع التي تمّ إقرارها بالأمس في مجلس الوزراء، ولاسيما مشروعي المسامك الشاطئية، واستخراج الملح البحري، من صلب الاقتراب أكثر نحو هذا الاقتصاد، الذي يحتاج إلى عنايةٍ أكبر، وربما إلى تشكيل كيانٍ ما، أو إدارة معينة تُشرف على هذا الأمر بلا توقف، وتؤطّره جيداً بحثاً وتنقيباً وتنفيذاً للمشاريع التي تصبُّ في إطار الاقتصاد الأزرق.
الثورة – علي محمود جديد:
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036