أمام الحالة الأردوغانية المستفزة تبدو اللغة عاجزة أحياناً عن إيجاد مفردات تتناسب والحالة المرضية التي يعانيها هذا المهرج المثقل بأخوانيته المقيتة، إذ إن التعاطي مع هذا الشذوذ السياسي الذي يمارسه سلطان الانكشارية الواهم يتطلب قدرة فائقة على الغوص في سيكولوجيته السلجوقية المغرقة في الفجور والمراوغة والنفاق والادعاء والتضليل.
فرغم مسار آستنة التفاوضي الطويل الذي أتاح عبره الأصدقاء الروس والإيرانيون لأردوغان نافذة كبيرة للعودة عن غيّه الأعمى وحقده الأسود، وإصلاح ما أفسدته يداه ونفسه الأمارة بالسوء في سورية والإقليم، وإخراج نفسه من قوقعة الناتو الاستعمارية العدوانية، نجده مدمناً على التقليب في دفاتر السلطنة العثمانية البائدة بحثاً عن صولجان أجداده المقبورين، لاستعادة بعض ماضيهم الملطخ بالوحل، وبالرغم من كل ما لحق به من هزات داخلية عنيفة، وما تلقاه من صفعات ترامبية أردته صريع أنانيته المفرطة وفساده الاقتصادي، فإنه لم يتخلص من عقده وأمراضه .
ففي الوقت الذي يهدد ويتوعد بالاعتداء مجدداً على السيادة السورية من بوابة أطماعه في الجزيرة السورية وبذريعة القضاء على الخطر (الكردي) المهدد ــ حسب زعمه ــ للأمن القومي التركي، والعمل على إنشاء (منطقة آمنة) نراه مستمراً بالتنسيق والمشاورات مع الأميركيين الذي يحتلون هذه المنطقة ويدعمون خصومه (مرتزقة قسد) الحالمين بالانفصال، في حين يصدر للروس والإيرانيين حلفاء سورية خطباً رنانة ووعوداً فارغة حول احترامه لوحدة وسلامة الأراضي السورية، وهو الذي يرعى في نفس الوقت كل ما تبقى من وحوش وشراذم الارهاب التكفيرية في جبهات إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية بنوايا شيطانية لا تتوقف عند حد.
هذه الاستشاطة الاردوغانية في البعد عن منطق الأمور ومبادئ السياسة والعلاقات الدولية السليمة تؤشر إلى حجم مأزقه الداخلي ورغبته في تصديره خارج الحدود، ولكن كما قال (متنبينا) العظيم قبل أكثر من ألف عام: (إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه .. وصدّق مايعتاده من توهم)، ومشكلة أردوغان أنه غارق في الوهم حتى أذنيه وقد فقد بصيرته بعد هزيمة اسطنبول..!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الاثنين 29-7-2019
الرقم: 17036