ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
حفنة من المثقين السوريين انطلقوا إلى المشاركة في الأحداث منذ أيامها الأولى عبر مشاركتهم في التظاهرات والاعتصامات ورفع المطالبات والشعارات، لكنهم ما لبثوا بضعة أيام فحسب على هذا النحو حتى عادوا
إلى الظل والتواري عن الشوارع والساحات، عندما اكتشفوا أن ثمة سلاحاً يقتل ويخرب بيد من تظاهروا بالتظاهر.. وما زالوا منذ سنتين متوارين في الظل بدعوى ان هذه المعركة ليست معركتهم وهذا الحراك الشرس ليس حراكهم.. ولعلهم خجلوا من الإعلان أن هذا الوطن أيضاً.. لم يعد وطنهم!
حفنة أخرى من المثقفين جنحت على الفور إلى الانخراط في الحراك وتطوراته الدرامية السريعة من القلم إلى البندقية إلى المفخخات وكيفما جاء أو اتفق، فلم تتبين أفقاً ولا قرأت سطوراً وما بينها لما جرى ويجري، وما أدركت أو قايست أو طابقت ما بين الواقع وما بين ما اختزنته في أذهانها وذاكراتها من حكايا الثورة وتعابيرها ومفاهيمها أو من شروطها ومناخات وعيها.. قبلت كل ما جرى وتطور، هضمته بالتعامي أو بالمواربة وتضليل الذات قبل تضليل الآخر، فأسمته ثورة ولا تزال تسميه كذلك ولو على طريقة «عنزة ولو طارت «، لا بل سجلت وروجت لاختراع عربي جديد في هذا المجال بدعوى أن لكل ثورة خصوصيتها.. حتى ولو كانت الهمجية والانحلال السياسي والأخلاقي هي فقط خصائص هذه الثورة، ارتزقت هذه الحفنة.. ولا تزال ترتزق!
نعرف أن ثمة ثقافة ارتزاق وأن ثمة ارتزاقاً مثقفاً، ونعرف أن ثمة مثقفين مرتزقة وأن ثمة مرتزقة مثقفون، إذ لا الثقافة تعصى على الارتزاق ولا بعض المثقفين يعصونه، وأن الوطن يمكن أن يكون ضربة حظ بالنسبة إلى هؤلاء ولو مغمسة بالدم، لكن :
أولئك المثقفون الذين عادوا إلى ظلالهم سريعاً منذ الأيام الأولى وتواروا خلفها كأنهم لم يكونوا، أولئك الذين انفصلوا عن الواقع في لحظة صدمة بين ما تمنوه ثورة وبين ما ظهر لهم منها.. فتبرؤوا، وغسلوا أيديهم من دمها واستراحوا كما يستريح موتى الدهور في القبور.. لماذا لم يعودوا ثواراً حقيقيين بكل المعاني والصور التي صدعوا رؤوسنا بها منذ عقود من السنين، وتغنوا بها فكراً وشعراً ورواية ومسرحاً وسينما وحتى فذلكة وسفسطة، لماذا تلطوا خلف الصدمة وما عادوا يستفيقون منها متظاهرين بالخدر أو بالترفع.. لأنهم يبحثون عن ثورة نظيفة… والثورات حين تكون نظيفة لا تحتاجهم، أم لأنهم لا يعرفون القراءة إلا في كراريسهم فحسب؟
لا أحد يطلب منهم موالاة أو معارضة، ولا أحد يريدهم شهود حق أو زور.. وبالطبع، لا أحد يريدهم قضاة ولا متهمين في هذه المحكمة الدموية المنعقدة بكامل هيئتها، بل يريدونهم محامين فقط.. محامون عن وطن أهدروا لأجله الكثير الكثير من الحبر والأقلام والقوافي.. ثم خانوه عند صياح أول ديك!