من أقنع أردوغان أنه سيّد المشهد… يقول للبيت الأبيض سأذهب إلى الجزيرة السورية فتكون «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري.. واشنطن هي من تبحث عن منطقة لعب آمنة في رأس أردوغان… تجره إلى مصالحها بجزرة مرتزقته!!
ما يريده ترامب في سورية أبعد من حسابات أردوغان، وما يقوله سياسياً أعلى من أن تسمعه أذنا السلطان اللتان تعرف مداهما أميركا أكثر من الرئيس التركي… فهي من تمسك برأسه.. الاقتصادي والجيوسياسي والعسكري أيضاً… إذاً لا مانع من اعتقاله في «المنطقة الآمنة» بالنسبة للخطط الأميركية.
حيث يريد أردوغان التوغل في سورية… تضمن واشنطن خروجه وابتعاده عن دروب آستنة لذلك كان رد فعل دمشق وموسكو الأول هو رفض هذا (التفاهم) بين أنقرة وواشنطن… وأكثر…
فأردوغان هو حجر العثرة في حل الأزمة في سورية يوم كان القائد (الأعلى) للإرهابيين من جهة وطرفاً من أطراف المؤتمرات السياسية، وبهذه اللحظة السياسية عليها أي واشنطن تحريكه في «المنطقة الآمنة» لتضمن وجود دوره في الميدان السوري كمحتل.. يزعج كل الحلول التي قد تصل إلى ذقن الأميركي… ترامب يطيل المسافة إلى أنفه الذي يستشعر النفط السوري.
واشنطن تعلم أن دمشق ترفض وجود قدم أجنبية على ترابها الموحد، وبما أن أفق الانفصاليين أضيق من خرم إبرة كان على ترامب أن يضع تلك الإبرة في كومة قش «المنطقة الآمنة» لتعقيد المسألة على الجميع.
لا يضير واشنطن وجود «المنطقة الآمنة»، فهي تتموضع حيث تريد وتزيد من حزام المتاهات حولها لتبرير بقائها في المناطق الحيوية وإطالة عمر الحرب على سورية… الدور الإقليمي قبل كل شيء… هكذا فقط ترتاح إسرائيل!! ولا مانع إن عاد داعش على طبق من تصريحات المخاوف الأميركية.
تعيد واشنطن الأوراق إلى المربعات الأولى، ألم يكثر البنتاغون حديثه أيضاً عن المجيء الثاني لداعش؟ دعوة أميركية مفتوحة للبغدادي ليستعيد دوره الذي فقد… فــ«قسد» ومشتقاتها مكثوا طويلاً في كومبارس المشهد.
قد يظن أردوغان أن ترامب استهاب تهديداته، فطبّق التفاهمات في ظل غضب السلطان… الرئيس الأميركي استجره ولكن من دون أسنان، فواشنطن تسمع صوت خواء المعدة الاقتصادية لأنقرة، وتتحكم في دورتها التجارية أيضاً.. وهنا مقتل الرئيس التركي الذي فقد كل أوراق الداخل، ويراهن على البدائل الخارجية… لم يبق له بعد خساراته في الانتخابات سوى الشريان الاقتصادي لإسعاف الإخوان.
الجميع يريد أردوغان لعبة تكتيكية والسلطان يظن نفسه بطل الرواية حين يفاوض في آستنة أو يوجه البنتاغون لنزع سلاح «قسد».
كاركوز المرحلة هو الإخواني بلا منازع هذه الأيام… حتى «قسد» وأخواتها يمتصون المشهد مقابل وقوعه في المصيدة.
السلطان الذي همّ لحفر «المنطقة الآمنة» نسي أن تفويضها الأميركي في قاموس سورية وحلفائها يعني بأنه احتلال واضح تجوز مواجهته كما تواجه دمشق الإرهاب.. نسي أردوغان أنه على شفير مواجهة سياسية في آستنة وميدانية في سورية… فما الخطوة اللاحقة؟
مضحك هو وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو عندما خرج بالأمس يدافع عن اتفاق «المنطقة الآمنة».. أخذته (الحمية) العثمانية ونسي أن الرجل المريض… مات من أزمنة تاريخية، وأن واشنطن لا تملك تفويضاً إلهياً لإحياء الموتى.
كتبت عزة شتيوي
التاريخ: السبت 10-8-2019
الرقم: 17046