«سنقضي على التهديد الإرهابي في شمال سورية». هذا ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً في أحد خطاباته النارية والتي اعتاد أن يُظهر فيها تركيا بالبلد الذي يعاني من ويلات الإرهاب ويكتوي بناره . تهديدات الرئيس التركي بإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق سيطرة ميليشيا قسد في الشمال السوري و بزعم «القضاء» على التهديد الذي تمثله وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية ليست الأولى من نوعها فقد سبق لأردوغان وفي خطابات سابقة أن «لتركيا الحق في القضاء على كافة الأخطار التي تهدد أمنها القومي وتجفيف مستنقع الإرهاب في شمال سورية يتصدر أولوياتنا «بحسب زعم أردوغان.
فكرة إرسال قوات برية تركية إلى سورية هي فكرة قديمة، كما يرى سياسيون ومحللون أتراك، وقد فجرت نقاشات حادة بين المؤيدين القلة من قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين المعارضين الكثيرين من الأحزاب الأخرى التي تمثّل أطياف الشعب التركي، ورغم ذلك ففي سياق الأعوام الماضية وفي ظل تراجع دورها الإقليمي في سورية والعراق فقد قامت تركيا بعمليات مماثلة من قبيل «درع الفرات» في 24 أب 2016 ومن ثم «غصن الزيتون « في 20 آذار 2018 وقبل أكثر من شهرين عملية» المخلب « في 27 أيار 2019. وتنوي بعد هذه الخطوة إنشاء منطقة آمنة عازلة ,تحلم فيها منذ زمن وعلى طول الحدود المشتركة بين البلدين .
في عام2011 طرحت تركيا فكرة إقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية أو في مناطق محدّدة بصورة مبدئية، لكن الإدارة الأمريكية السابقة في عهد أوباما، رفضت هذا الأمر لأسباب تتعلق بمصالحها وباعتبار انه سيكون له تبعات لوجستية واقتصادية وقانونية، حاولت تركيا منذ ذلك التاريخ أكثر من مرة لكن الرفض الأمريكي وكذلك الرفض الروسي الإيراني حال دون وصول أنقرة لأطماعها في الأراضي السورية من خلال إيجاد تلك المنطقة عبر التستر بغطاء الضرورات الأمنية ومحاولة محاربة الإرهاب وبخاصة أن ذلك قد يتسبب في إشعال مواجهات إقليمية ودولية .
واستمر الرفض الأمريكي إلى ما قبل أيام,حيث أعلنت السفارة الأميركية في تركيا وبشكل مثير للاستغراب والاستهجان، أنه تم الاتفاق مع أنقرة على إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية الأمر الذي يشكّل تعدّ على السيادة السورية … و لكي يبدو الأمر مقنعاً ومنطقياً للرأي العام العالمي لابد من وجود مبررات ومسوّغات إنسانية يتذرّع بها الجانبان وهي أن المنطقة الآمنة ستكون ممراً آمناً في إطار الجهود المبذولة لإعادة المهجرين السوريين إلى بلادهم,و لكن لم تذكر واشنطن أنها ستعيد قواتها إلى سورية بأكثر مما كانت عليه عدّةً وعتاداً في ما مضى وبالتزامن مع تقرير صادر عن المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يشير بأن تنظيم «داعش» «يعاود الظهور» في سورية مع سحب الولايات المتحدة قوات من هذا البلد، و«يعزز قدراته» في العراق المجاور.إذاً تبدو الفترة الماضية من العام الحالي أي المدة الفاصلة بين القرارين ..قرار الانسحاب وقرار الرجوع مع عودة داعش المعلنة أمريكياً والمكذبة تركياً…تبدو هذه الفترة وكأنها تكتيك أمريكي يراد منه إعادة ترتيب الأوراق والاستعداد للمرحلة القادمة.
وتريد انقرة من المنطقة الآمنة منع ظهور حكم ذاتي للأكراد السوريين على حدودها، من خلال نقل اللاجئين السوريين المتواجدين داخل أراضيها إلى هذه المنطقة، وبالتالي التأسيس لديمغرافية جديدة على الحدود السورية التركية.
احتلال أراض سورية بموافقة أمريكية بمساحة 14720 كم مربع وبالتالي تحقيق الهدف الرئيسي لتركيا بالتوسع على حساب دول الجوار.
مغازلة أوربا وخصوصا ألمانيا وفرنسا للموافقة على إقامة هذه المنطقة من خلال إعادة اللاجئين السوريين في أوروبا إلى هذه المنطقة.
إنشاء منطقة آمنة للمجموعات الإرهابية ، بل لكل الإرهابيين الذين رفضت دولهم استقبالهم على أراضيها.
*جعل هذه المنطقة منطقة عدم استقرار واستخدامها كورقة ضغط عسكري واقتصادي وسياسي على الحكومة السورية.
تركيا وقوات ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش هي التي ستشرف على تأمين الحماية (أرضا- جوا) لهذه المنطقة، وبالتالي ستكون مبررا لبقاء هذا التحالف في سورية واستمرار احتلال أراضي أخرى من قبل الجيش التركي بل إعطاء الشرعية له
في حال تم إنشاء مثل هذه المنطقة سواء باتفاق ثنائي أمريكي تركي أو بإصدار قرار من مجلس الأمن، أو بموافقة أوروبية فان تركيا ستسعى لتطبيقه على الحدود العراقية التركية وبالتي ستعطي شرعية لتواجد واحتلال قواتها لأراضي عراقية.
FRANCAIS.NOOZ
بقلم: اميل بووفية
ترجمة: محمود لحام
التاريخ: الأحد 11-8-2019
رقم العدد : 17047