مدير الهيئة العامة للطب الشرعي لـ«الثورة»:عمليــات الكشــف تتم مجاناً بشــكل كامل .. وإجراءات لتدارك نقص الأطباء
يسهم الطب الشرعي في إزالة اللبس لدى القضاة من خلال تقنيات العمل ومهارات الأطباء القائمين عليه التي تمكنه من كشف أدق التفاصيل حين تشريح الجثث، وهو من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها سير العمل في تحقيق العدالة في القضايا الجنائية.. فعلى الرغم من أن المحكمة هي الخبير الأعلى في الدعوى، إلا أن ذلك لا يعني التقليل من شأن ما ينتهي إليه خبراء الطب الشرعي في تقاريرهم، ويكون تقرير الطبيب الشرعي بمثابة الحاكم الحقيقي في مصير الدعوى..
وحين يلقى الناس حتفهم أثناء الحروب، أو الكوارث، أو الهجرة، يوفر الطب الشرعي الأدوات والخبرات اللازمة من خلال البحث عن جثامين الأشخاص الذين لقوا مصرعهم، وجمعها، وتحديد هويتها..
أطباؤنا الشرعيون قاموا بواجبهم على أكمل وجه وبشكل أمثل وبمهارة.. وقدموا عملاً تعجز دول على تقديمه،.
توفير الإمكانات والتقانات الفنية
الدكتور زاهر حجو المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي بوزارة الصحة وخلال لقاء لـ«الثورة» أوضح أن الطب الشرعي موسوم بأنه طب الأموات، فالطب الشرعي وبإحصائية قبل الحرب على سورية تمت في معظم المراكز، بينت نسبة المراجعين 92% أحياء، 8% وفيات، فهو فرع من فروع الطب يسخر العلوم الطبية لخدمة القانون والعدالة، وهو الجسر الواصل بين العدالة والطب، والطبيب الشرعي هو قاضي الأطباء، وأن مهام الطبيب الشرعي بالنسبة للوفيات تحديد زمن الوفاة، وآثار العنف والشدة على الجثث، وهو موضوع مهم وحساس.
وبين أن الطب الشرعي يختص بالموت الأحمر وليس بالموت الأبيض (الوفاة الطبيعية)، والعمل بالعرضي والجنائي موضحاً وجود مراكز طب شرعي في كافة المحافظات، ويقسم عملها إلى قسمين، قسم يختص بفحص الوفيات ويكون في المشافي من خلال المشرحة، والثاني قسم الأحياء منفصل عن المشرحة ويتم فحص الحالات التي تورد من القضاء والشرطة ويتم تقديم التقرير.
معالجة القضايا الجنائية
وأشار الدكتور حجو أنه وخلال الحرب الكونية على سورية ونتيجة القذائف والقنص وإجرام العصابات الإرهابية المسلحة زادت نسبة الوفيات، وبإحصائية تمت أخيراً لكافة المراجعين إلى مراكز الطب الشرعي بالمحافظات سواء أحياء أو وفيات من بداية عام 2011 وحتى بداية الشهر السابع من عام 2019 شملت الإحصائية 10 محافظات بدأت بالتدوين والتسجيل والتوثيق من محافظة حلب شهر آذار 2014 وبحمص بدأت في عام 2013 وبريف دمشق في نفس العام أيضاً، وبالقنيطرة ودرعا في 2017 و 2018و 2019.
وأشار الدكتور حجو إلى أنه راجع مراكز الطب الشرعي في المحافظات 230409 حالات تم فحصها منذ بداية الحرب الظالمة حتى بداية الشهر السابع من العام الحالي، ويشمل هذا العدد كافة المحافظات باستثناء دير الزور والرقة والحسكة وإدلب، وشكلت 32% منهم وفيات و68% أحياء والنسبة الأعظم كانت في محافظتي دمشق وريف دمشق والذي وصل فيهما عدد المراجعين إلى أكثر من 61 ألفاً، وفي المرتبة الثانية تأتي محافظة حلب، منوهاً بأنه خلال إحصاء أعوام 2011-2014 فهي أكثر من جميع المحافظات بعدد الشهداء والمصابين.
ونوه مدير عام الهيئة بأنه خلال الفترة الماضية لم يتوقف عمل الطب الشرعي في معالجة القضايا الجنائية إضافة إلى المواضيع الحربية، بالرغم من تقلص عدد الأطباء الشرعيين من 200 طبيب في بداية 2011 ووصل إلى 56 طبيباً حالياً.. وبالرغم من ذلك تمت تغطية كافة المهام.
وذكر الدكتور حجو أنه يتم العمل من خلال الهيئة العامة للطب الشرعي بإعداد ملف يشمل كشف وتفنيد كافة الحالات التي اتهمت بها سورية والتي جرت خلال الحرب الظالمة، وخاصة ما قام به عدد من الصحفيين الغربيين باتهام الدولة السورية بتسبب الوفاة للعديد من المدنيين، وكذلك كشف استخدام الإرهابيين لأساليب وحشية خلال هذه الحرب.
ولفت إلى أنه بعد انسحاب الإرهابيين من المناطق الشرقية في مدينة حلب قاموا بإعدام عدد كبير من المدنيين ميدانياً، وبمكان واحد أعدموا 21 مدنياً من بينهم ستة أطفال وسبع نساء، وحاولوا إلصاق التهمة بالدولة السورية، ولكن بتحديد زمن الوفاة فإنه أثبت أن الوفاة تمت بوقت قبل دخول الجيش العربي السوري.
تقدير العمر.. مهم جداً
وأكد الدكتور حجو أن مهام الطب الشرعي تشكل طيفاً واسعاً من الأعمال حيث يقوم بفحص كافة الحالات من الأحياء وفحص الإصابات والجروح بمجملها، من حوادث السير والمشاجرات وغيرها.. إضافة إلى فحص المرضى النفسيين سواء كان متهماً بتقدير مدى مسؤوليته الجنائية أو مجنياً عليه لتقدير عمره وحالته النفسية، وحسب تقرير الطبيب تختلف العقوبة في حال لديه مرض نفسي إضافة إلى ذلك يحول المرضى ممن يريدون دخول المشفى النفسي، وكذلك في اللجان الطبية والخبرات الطبية على أعمال الأطباء الجراحين والممارسين في أي خطأ طبي أو اشتباه، وأيضاً الإصابات بمختلف أنواعها وتحديد مدة شفائها، وإذا كانت تخلف تعطلاً عن العمل أو تترك عاهة لدى المصاب وعجزاً.
وأضاف أن الطب الشرعي يعمل على تقدير العمر وهو مهم جداً سواء للجاني إن كان تحت عمر 18 عاماً أو فوق ذلك، وأيضاً للمجني عليه، وكذلك تحديد الأبوة والنسب عن طريق فحص الـ DNA.
طب الأسنان الشرعي
وكشف الدكتور حجو أن الجانب المشرق في عمل الطب الشرعي هو طب الأسنان الشرعي ويوجد حالياً 20 طبيب أسنان مقيماً بالاختصاص حالياً، خاصة أننا أمام ملف واستحقاق مهم جداً هو موضوع الجثث مجهولة الهوية من المخطوفين والمفقودين ومن تمت تصفيتهم ودفنهم بالمقابر الجماعية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة.
ويتم العمل حالياً على إعداد وتدريب الأطباء على علم الانتربولوجي وهو علم الإنسان والذي يمكن من خلاله تحديد طول الضحية وزمن الوفاة والجنس ويفيد ذلك في تحديد هوية الإرهابيين الأجانب الذين قدموا إلى سورية، إضافة إلى الأمراض التي كانت على الهيكل العظمي فهي تترك آثاراً عليه، مشيراً إلى تطوير الكفاءات بهذا العلم لما له من أهمية في المرحلة المقبلة.
و قال حجو تم العمل على طريقة الاستعراف في مدينة حلب حيث كان من الصعب وصول ذوي الشهداء إلى المشرحة في المشفى فتم أخذ صور للجثث والقبر المتوافق مع هذه الصورة، وبعد حصول فترة الاستقرار تم التعرف على الجثث، وفي حال كانت الجثث من دون رأس وثياب تم أخذ عينات DNA الاشتباه من أحد المتعرفين على إحدى الجثث يتم سحب عينة الـ DNA ويتم تحليلها لتبيان ذلك، حيث تم العمل على هذا الملف بشكل كبير.
فرق تدخل سريعة للعمل في إدلب
ونوه بأنه تم تشكيل خمس فرق تدخل سريع للعمل في محافظة إدلب بعد إحراز النصر وتحريرها قريباً بهمة رجال جيشنا البواسل، وكل فرقة مؤلفة من أطباء شرعيين (أسنان وبشري)، وسيتم التدخل مباشرة لوجود آلاف الجثث من الضحايا من المدنيين والعسكريين خلال فترات الحرب من خلال المعلومات الأهلية، مؤكداً بأن الدولة ملتزمة بإجراء كافة عمليات الاستعراف ولا يمكن أن تدفن أي جثة قبل أخذ عينات الـ DNA منها.
وأوضح أنه لا توجد أي تكلفة بعملية الاستعراف وتتم مجاناً بشكل كامل ولا يتحمل المواطن أي أعباء مادية وأن الدولة ملتزمة بكافة الحالات.
مخبر سموم نوعي
وسلط الدكتور حجو الضوء على أن الطب الشرعي يسير بخطى حثيثة من خلال تجهيز المخابر، كما تم الانتهاء من استكمال تجهيز المشرحة في محافظة حماة، إضافة إلى ترميم مركز دمشق، وخلال الأشهر الأولى من العام القادم سيكون أكبر مركز في سورية وعلى مستوى الشرق الأوسط في مدينة حلب، حيث تتم إعادة ترميمه بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأن مخبر الطب الشرعي في الهيئة جاهز وبحاجة إلى دعم الأشقاء الإيرانيين في توريد الكيتات اللازمة لعمله.
إضافة إلى أنه يتم تجهيز مخبر السموم النوعي في الهيئة لكشف كافة حالات السموم الغامضة التي تحصل، وحتى لا يتم حدوث التباس بأي حادثة، وبنهاية العام سيكون المخبر جاهزاً، وهذا يبشر بمستقبل واعد للطب الشرعي في سورية.
كما تم تجهيز مراكز الطب الشرعي بالمحافظات بكافة العدد اللازمة لعمل الطب الشرعي، وأصبح هناك حقيبة خاصة بعمل الطبيب الشرعي، ولم يتبق أي مركز إلا وجهز بكافة التجهيزات التي تساعد الطبيب في عمله، والمشكلة الوحيدة فقط تبقى بالكادر البشري.
الطب الوقائي
وكشف الدكتور حجو أنه يتم العمل حالياً على ملف متطور جداً هو الطب الشرعي الوقائي يعمل على منع وقوع الجريمة من خلال فحص الحادث أو الجريمة والتنبيه على المخاطر التي قد تحدث، وهو يختص بالحوادث التي تتكرر بمنطقة معينة أو بالنوعية ذاتها فيتم تنبيه الأهالي لهذا الموضوع.
وأوضح أنه في الآونة الأخيرة تم التنبيه بأنه تأتي حالات وفاة عديدة لشباب بأعمار صغيرة لديهم احتشاء بالعضلة القلبية من منطقة معينة، وكذلك ظهر في بعض المناطق الاعتداءات الجنسية على بعض الأطفال الذكور أكثر من الإناث، فتم التنبيه بعدم إرسال أطفالهم ليلاً لشراء بعض الحاجيات أو الخروج من المنزل.
التشريح لمعرفة أسباب الوفاة
وفي موضوع تشريح الجثة أوضح مدير عام الهيئة أنه لا يتم التشريح إلا بالحالات القصوى عند العجز عن تحديد سبب الوفاة نتيجة الفحص الخارجي، وتحترم خصوصية المجتمع، فالطبيب في هذه الحالة يكون مضطراً لهذا الإجراء، فيطلب من القاضي التشريح وبناء على قراره يتم تشريح الجثة، وتتم إعادة خياطة الجثة بشكل لائق وإرجاعها لشكلها الأقرب واحترام الجثة، متمنياً من المواطنين عدم التخوف حيث لا يتم التشريح إلا بالضرورة القصوى.. وبالتالي يجب معرفة سبب الوفاة وزمنها، وإيصال الجاني للعدالة.
نقص.. في الكوادر الطبية
وعن الصعوبات التي تواجه الطبيب الشرعي أوضح الدكتور حجو أن الهيئة خسرت طبيبين من كوادرها باستشهادهما أثناء تأدية واجبهما، إضافة إلى هجرة معظم الأطباء الشرعيين، فالمشكلة والمعاناة تكمن في نقص الكوادر، إضافة إلى تأثير العقوبات القسرية أحادية الجانب على كافة القطاعات وخاصة القطاع الصحي وعدم السماح باستيراد الأجهزة والأدوات.
وبين أنه يتم تدارك نقص الأطباء الشرعيين بتكليف بعض الأطباء من اختصاصات أخرى أو أطباء عامين للقيام بأعمال الطب الشرعي وتدريبهم وتجهيزهم للعمل ولكن تبقى مسألة غياب كفاءة الطبيب الشرعي.
وأبرز مدير عام الهيئة غياب الاهتمام والدعم بالأطباء الشرعيين من حيث التعويضات وطبيعة العمل، وهذا يفسر نقص عدد الأطباء، فهو يعتمد على الراتب الشهري في حالة اختصاصه، إضافة إلى تعرضه إلى مخاطر جسدية ومرضية من التهابات في الجهاز التنفسي وأمراض جلدية، وأذيات بتعامله مع جثث تشكل مرتعاً للأمراض، إضافة إلى الأذيات والمخاطر النفسية وما يتعرض له من تهديد من قبل المسلحين.
آملاً معاملة الطبيب الشرعي على الأقل كطبيب التخدير من حيث المكافآت والتعويضات وخاصة أن عددهم في تناقص مع عدم وجود أطباء مقيمين حالياً، والأطباء الموجودون حالياً فوق عمر الخمسين.
عادل عبد الله
التاريخ: الجمعة 23-8-2019
الرقم: 17054